استنبط من الآية أحكام:
الأول: جواز لأن اليتيم: الصغير الذي لم يبلغ، وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: نكاح الصغيرة؛ رواه لا يتم بعد احتلام . أبو داود
وعن : أراد البوالغ قبل التزوج، وسماهن باليتم لقرب عهدهن باليتم، والأول أظهر؛ لأنه الحقيقة، قالوا: قد يطلق اليتيم على البالغة، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: الأصم رواه أهل السنن، والاستئمار لا يكون إلا من البالغة، وقد ورد قول الشاعر: تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها
إن القبور تنكح الأيامى النسوة الأرامل اليتامى
[ ص: 1590 ] فسمى البالغات يتامى؛ لانفرادهن عن الأزواج، وكل شيء منفرد لا نظير له يقال له يتيم، كقولهم: "درة يتيمة" وهذه المسألة فيها أقوال للعلماء:
الأول: جواز نكاح الصغيرة لجميع الأولياء، وهذا مذهب الهادوية ومالك وصاحبيه. وأبي حنيفة
الثاني: للناصر : لا يجوز ذلك إلا للأب والجد. والشافعي
والثالث: لا يجوز ذلك إلا للأب فقط، وهذا قول ، ومروي عن الأوزاعي القاسم .
دليل الأولين ما اقتضاه قوله تعالى: وترغبون أن تنكحوهن وهي نزلت في شأن اليتيمة ينكحها وليها ولا يقسط لها في المهر، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يقسطوا في المهر بقوله في سورة النساء: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء واليتم الحقيقي مع الصغر، وغيره مجاز، وأدنى الأولياء الذي يجوز له النكاح ابن العم، فإذا صح فيه صح.
وحجة القول الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: الحديث المتقدم، والإذن لا يكون إلا بعد البلوغ. تستأمر اليتيمة
وروى الإمام أحمد أن والدارقطني زوج ابنة أخيه - وكان وصيها - ممن أبته، فرفع ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قدامة بن مظعون كذا ذكره بعض مفسري الزيدية. هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها
وتخريج الأحاديث من زيادتي، وما نقله من أن الإذن لا يكون إلا بعد البلوغ يحتاج إلى دليل؛ إذ لا يدل عليه الخبر بمنطوقه ولا مفهومه.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": وفي حديث: : ظاهر الحديث اشتراط رضاء المزوجة بكرا كانت أو ثيبا، صغيرة أو كبيرة. انتهى. لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن
قال في "جامعه": وقال بعضهم: لا يجوز الترمذي حتى تبلغ. نكاح اليتيمة
وقال [ ص: 1591 ] أحمد : إذا بلغت اليتيمة سبع سنين فزوجت فرضيت فالنكاح جائز، ولا خيار لها إذا أدركت، واحتجا بحديث وإسحاق عائشة وقد قالت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنى بها وهي بنت تسع سنين. : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة. انتهى. عائشة
الحكم الثاني: أنه ؛ لقوله: يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد في النكاح وترغبون أن تنكحوهن
وقد روى ابن سعد من طريق ، عن ابن أبي ذئب سعيد بن خالد ، أن أم حكيم بنت قارظ قالت : إنه قد خطبني غير واحد، فزوجني أيهم رأيت، قال: وتجعلين ذلك إلي؟ فقالت: نعم، قال: قد تزوجتك، قال لعبد الرحمن بن عوف : فجاز نكاحه. ابن أبي ذئب
وروى ، عبد الرزاق ووكيع، أن والبيهقي أراد أن يتزوج امرأة وهو وليها، فأمر أبعد منه، فزوجه. المغيرة بن شعبة
وروى أيضا، عن عبد الرزاق قال: قلت ابن جريج : امرأة خطبها ابن عم لها، لا رجل لها غيره، قال: فلتشهد أن فلانا خطبها، وإني أشهدكم أني قد نكحته، ولتأمر رجلا من عشيرتها. لعطاء
[ ص: 1592 ] أخرج هذه الآثار الثلاثة في "صحيحه" تعليقا في (باب إذا كان الولي هو الخاطب) أي: هل يزوج نفسه أو يحتاج إلى ولي آخر. البخاري
قال ابن المنير : ذكر في الترجمة ما يدل على الجواز والمنع معا؛ ليكل الأمر في ذلك إلى نظر المجتهد.
قال الحافظ ابن حجر : لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يرى الجواز، فإن الآثار التي فيها أمر الولي غيره أن يزوجه - ليس فيها التصريح بالمنع من تزويجه نفسه.
ثم قال: وقد اختلف السلف في ذلك، فقال الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأكثر أصحابه: يزوج الولي نفسه، ووافقهم وأبو حنيفة . أبو ثور
وعن : مالك لزمها ذلك، ولو لم تعلم عين الزوج. لو قالت الثيب لوليها: زوجني بمن رأيت، فزوجها من نفسه أو ممن اختار
وقال : يزوجهما السلطان أو ولي آخر مثله، أو أقعد منه، ووافقه الشافعي زفر وداود ، وحجتهم أن الولاية شرط في العقد، فلا يكون الناكح منكحا، كما لا يبيع من نفسه. انتهى.
الحكم الثالث: أنه يجوز . للأولياء التصرف في المال؛ لأن القيام بالقسط لا يتم إلا بذلك
وما تفعلوا من خير لا سيما في حق الضعفاء من حفظ أموالهم والقيام بتدبيرهم والإقساط لهم فإن الله كان به عليما فيجزيكم به.