القول في تأويل قوله تعالى:
أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا [53]
أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا لما ذم سبحانه اليهود بتزكيتهم أنفسهم وتفضيل المشركين على الموحدين - شرع في تفصيل بعض آخر من مثالبهم، وهو وصفهم بالبخل والحسد اللذين هما شر خصلتين.
و(أم) منقطعة، والهمزة لإنكار أن يكون لهم نصيب من الملك، والفاء للسببية الجزائية لشرط محذوف، أي: لو كان لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون أحدا مقدار نقير لفرط بخلهم.
و(النقير) النقرة في ظهر النواة [ ص: 1326 ] وهو مثل في القلة والحقارة، كالفتيل والقطمير، والمراد بالملك إما ملك أهل الدنيا وإما ملك الله، كقوله تعالى: قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق [الإسراء: من الآية 100].
وقال أبو السعود : وهذا هو البيان الكاشف عن كنه حالهم، وإذا كان شأنهم كذلك وهم ملوك فما ظنك بهم وهم أذلاء متنافرون؟
ويجوز أن لا تكون الهمزة لإنكار الوقوع بل لإنكار الواقع والتوبيخ عليه، أي: لعده منكرا غير لائق بالوقوع، على أن الفاء للعطف، والإنكار متوجه إلى مجموع المعطوفين على معنى: ألهم نصيب وافر من الملك حيث كانوا أصحاب أموال وبساتين وقصور مشيدة كالملوك فلا يؤتون الناس مع ذلك نقيرا؟ كما تقول لغني لا يراعي أباه: ألك هذا القدر من المال فلا تنفق على أبيك شيئا؟
وفائدة (إذن) تأكيد الإنكار والتوبيخ، حيث يجعلون ثبوت النصيب سببا للمنع مع كونه سببا للإعطاء، وهي ملغاة عن العمل، كأنه قيل: فلا يؤتون الناس إذن، وقرئ: (فإذن لا يؤتوا) بالنصب على إعمالها.