القول في تأويل قوله تعالى :
[ 151 ] سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب أي : الذي يمنعهم من الهجوم عليكم والإقدام على حرمكم : بما أشركوا بالله ما لم ينـزل به أي : بكونه إلها أو متصفا بصفاته أو مستحقا للعبادة : سلطانا أي : حجة قاطعة ينبني عليها الاعتقادات : ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين هي . والمثوى : المقر والمأوى والمقام . من ثوى يثوي .
لطائف :
الأولى : أفادت الآية أن ذلك الرعب بسبب ما في قلوبهم من الشرك بالله ، وعلى قدر الشرك يكون الرعب . قال القاشاني : جعل إلقاء الرعب في قلوب الكفار مسببا عن شركهم لأن الشجاعة وسائر الفضائل اعتدالات في قوى النفس لتنورها بنور التوحيد ، فلا تكون تامة إلا للموحد الموقن في توحيده . وأما المشرك فلأنه محجوب عن منيع القدرة بما أشرك بالله من الموجود المشوب بالعدم الذي لم يكن له بحسب نفسه قوة ، ولم ينزل الله بوجوده حجة ، فليس له إلا العجز والجبن وجميع الرذائل .
وقال - رحمه الله - : كأنه قيل : إنه وإن وقعت لكم هذه الواقعة في يوم القفال أحد [ ص: 994 ] إلا أن الله تعالى سيلقي الرعب منكم بعد ذلك ، في قلوب الكافرين ، حتى يقهر الكفار ، ويظهر دينكم على سائر الأديان . وقد فعل الله ذلك ، حتى صار دين الإسلام قاهرا لجميع الأديان والملل - انتهى - .
وقد ثبت في الصحيحين عن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : جابر بن عبد الله . « أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة »
الثانية : في ذكر عدم تنزيل الحجة مع استحالة تحققها في نفسها - إشعار بنفيها ونفي نزولها جميعا ، لأن ما لم ينزل به سلطانا ، لا سلطان له .
الثالثة : قال أبو السعود : في الآية إيذان بأن المتبع في الباب هو البرهان السماوي ، دون الآراء والأهواء الباطلة .
وقد سبقه إلى ذلك الرازي حيث قال : هذه الآية دالة على وذلك لأن الآية دالة على أن الشرك لا دليل عليه ، فوجب أن يكون القول به باطلا ، وهذا إنما صح إذا كان القول بإثبات ما لا دليل على ثبوته ، يكون باطلا ، فيلزم فساد القول بالتقليد - انتهى - ثم أخبرهم أنه صدقهم وعده في النصر على عدوه ، وهو الصادق الوعد ، وأنهم لو استمروا على الطاعة ولزموا أمر الرسول لاستمرت نصرتهم ، ولكن انخلعوا عن الطاعة ، وفارقوا مركزهم ففارقهم النصر ، فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاء وتعريفا لهم سوء عواقب المعصية وحسن عاقبة الطاعة بقوله : فساد التقليد .
[ ص: 995 ]