القول في تأويل قوله تعالى :
[ 128 ] ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون
ليس لك من الأمر شيء اعتراضا لئلا يغفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيرى لنفسه تأثيرا في بعض هذه الأمور ، فيحتجب عن التوحيد ، أي : ليس لك من أمرهم شيء ، كيفما كان ، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار . إن عليك إلا البلاغ ، إنما أمرهم إلى الله - أفاده القاشاني - وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم ، وحرصه على هداهم ، كما قال : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وقوله تعالى : أو يتوب عليهم أي : مما هم فيه من الكفر فيهديهم للإسلام بعد الضلالة : أو يعذبهم أي : في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم : فإنهم ظالمون أي : يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد .
روى عن البخاري - رضي الله عنه - أبي هريرة الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم ! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف » يجهر بذلك ، [ ص: 969 ] وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد، قنت بعد الركوع ، فربما قال ، إذا قال سمع الله لمن حمده : « اللهم ! ربنا ولك الحمد ، اللهم ! أنج العرب حتى أنزل الله : ليس لك من الأمر شيء الآية . « اللهم العن فلانا وفلانا » لأحياء من
وقد أسند ما علقه عن ابن عمر ليس لك من الأمر شيء الآية ، ورواه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر ، يقول : « اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا » . بعد ما يقول : « سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد » . فأنزل الله : عن الإمام أحمد أيضا ولفظه : ابن عمر اللهم العن الحارث بن هشام ، اللهم العن سهيل بن عمرو ، فنزلت هذه الآية : صفوان بن أمية ، ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية » . فتيب عليهم كلهم . « اللهم العن فلانا وفلانا ، اللهم العن
وقال : حدثنا الإمام أحمد هشيم ، حدثنا حميد ، عن - رضي الله عنه - أنس أحد ، وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه ، فقال : « كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم - عز وجل - » ، فأنزل الله : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم الآية - انفرد به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كسرت رباعيته يوم ورواه مسلم . تعليقا . وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول ، وأن الآية قد تذكر استشهادا في مقام ، لكونها مما تشمله . فيطلق الراوي عليها النزول فيه ، ولا يكون قصده أن هذا كان سببا لنزولها ، والحكمة في منعه - صلى الله عليه وسلم - من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيرا ، والإلحاح في الدعاء مظنة الإجابة ، ولا سيما من أشرف خلقه . فاقتضت حكمته تعالى إمهالهم إلى أن يتوبوا لسابق علمه فيهم . وفيه طلب التفويض في الأمور الملمة، لما في طيها من الأسرار الإلهية . البخاري
[ ص: 970 ] لطيفة :
قوله تعالى : أو يتوب عليهم منصوب بإضمار ( أن ) في حكم اسم معطوف بـ ( أو ) على ( الأمر ) أو على ( شيء ) ، أي : ليس لك من أمرهم شيء ، أو من التوبة عليهم ، أو من تعذيبهم ، أو ليس لك من أمرهم شيء أو التوبة عليهم أو تعذيبهم .
أقول : جعل : أو يتوب منصوبا بالعطف على ( يكبتهم ) بعيد جدا . وإن قدمه بعض المفسرين على الوجه المتقدم . وذلك لأن قوله تعالى : ليس لك كلام مستأنف على ما صرحت به الروايات في سبب النزول . وهي المرجع في التأويل - والله أعلم - .