القول في تأويل قوله تعالى:
[41 - 48] وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون
[ ص: 5653 ] وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال أي: حر نار ينفذ في المسام.
وحميم أي: ماء متناهي الحرارة.
وظل من يحموم أي: من دخان أسود، طبق أهويتهم المردية، وعقائدهم الفاسدة، وهيئات نفوسهم المسودة، بالصفات المظلمة، والهيئات السود الرديئة.
لا بارد ولا كريم أي: ليس له صفتا الظل الذي يأوي إليه الناس من الروح، ونفع من يأوي إليه بالراحة، بل له إيذاء وإيلام وضر، بإيصال التعب واللهب والكرب.
إنهم كانوا قبل ذلك مترفين أي: منهمكين في اللذات والشهوات، منغمسين في الأمور الطبيعية، والغواشي البدنية، فبذلك اكتسبوا هذه الهيئات الموبقة، والتبعات المهلكة.
وكانوا يصرون على الحنث العظيم أي: الذنب العظيم من الأقاويل الباطلة والعقائد الفاسدة، التي استحقوا بها العذاب المخلد، والعقاب المؤبد. وفسره السبكي بالقسم على إنكار البعث المشار إليه بقوله تعالى:
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت قال الشهاب: وهو تفسير حسن؛ لأن الحنث -وإن فسر بالذنب مطلقا أو الذنب العظيم- فالمعروف استعماله في عدم البر بالقسم، ولذا تأثره بما كانوا يعتقدونه من إنكار البعث بقوله: وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أوآباؤنا الأولون