القول في تأويل قوله تعالى:
[14 - 16] ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا [ ص: 4834 ] ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا
ولو دخلت أي: يثرب: عليهم من أقطارها أي: بأن دخل عليهم العدو من سائر جوانبها، وأخذ في النهب والسلب: ثم سئلوا الفتنة أي: الرجعة إلى الكفر: لآتوها أي: لفعلوها: وما تلبثوا بها إلا يسيرا أي: وما توقفوا بإعطائها إلا ريثما يكون السؤال والجواب; أي: فهم لا يحافظون على الإيمان ولا يستمسكون به، مع أدنى خوف وفزع. وهذا منتهى الذم لهم، ثم ذكرهم تعالى بما كانوا عاهدوه من قبل بقوله: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل أي: من قبل هذا الخوف: لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا أي: عن الوفاء به: قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل أي: لأنه لا يؤخر آجالهم، ولا يطول أعمارهم. بل ربما كان ذلك سببا في تعجيل أخذهم غرة انتقاما منهم، ولهذا قال: وإذا أي: فررتم: لا تمتعون إلا قليلا أي: في الدنيا بعد فراركم، أو لأنهم فقدوا بذلك حظهم الأخروي، فمهما متعوا في الدنيا، فإنه قليل بجانب نعيم الآخرة للصابرين.