القول في تأويل قوله تعالى :
[48 - 49] وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنـزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا .
وهو الذي أرسل الرياح بشرا أي : ناشرات للسحاب وفي قراءة بشرا بضم الموحدة بدل النون وسكون الشين ، أي : مبشرات : بين يدي رحمته أي : قدام المطر . وهي استعارة بديعة . استعيرت الرحمة للمطر ثم رشحت . كقوله : يبشرهم ربهم برحمة منه وجعلها بين يديه تتمة لها . لأن البشير يتقدم المبشر به . ويجوز أن تكون تمثيلية . و (بشرا ) من تتمة الاستعارة ، داخل في جملتها . ومن قرأ (نشرا ) كان تجريدا لها . [ ص: 4582 ] لأن النشر يناسب السحاب : وأنـزلنا من السماء ماء طهورا أي : مطهرا ، لقوله : ليطهركم به وهذه الآية أصل في الطهارة بالماء .
قال القاضي : وتوصيف الماء به إشعار بالنعمة فيه ، وتتميم للمنة فيما بعده . فإن الماء الطهور أهنأ وأنفع مما خالطه ما يزيل طهوريته . وتنبيه على أن ظواهرهم لما كانت مما ينبغي أن يطهروها ، فبواطنهم بذلك أولى : لنحيي به بلدة ميتا أي : بإنبات النبات : ونسقيه أي : ذلك الماء : مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا قال الكرخي : خص الأنعام بالذكر ، لأنها ذخيرتنا ومدار معاش أكثر أهل المدر . ولذلك قدم سقيها على سقيهم ، كما قدم عليها إحياء الأرض . فإنها سبب لحياتها وتعيشها ، فقدم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم .