القول في تأويل قوله تعالى :
[20] وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا .
وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق أي : ليحتاجون إلى التغذي بالطعام ويتجولون في الأسواق للتكسب والتجارة . وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم . فإنه تعالى جعل لهم من السمات الحسنة ، والصفات الجميلة ، والأقوال الفاضلة ، والأعمال الكاملة ، والخوارق الباهرة ، والأدلة القاهرة ، ما يستدل به كل ذي لب به كل سليم وبصيرة مستقيمة ، على صدق ما جاءوا به من الله . ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى وقوله : وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام
تنبيه :
قال السيوطي في (" الإكليل " ) : في الآية خلافا لمن كرهها لهم . إباحة دخول الأسواق للعلماء وأهل الصلاح
[ ص: 4572 ] وقوله تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا قال : هذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق . بعدما احتج عليهم بسائر الرسل . يقول : وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم ، أيها الناس ، ببعض . والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم . وبمناصبتهم لهم العداوة . وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف ، وأنواع أذاهم ، وطلب منهم الصبر الجميل . ونحوه : الزمخشري ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور وفي قوله تعالى : وكان ربك بصيرا زيادة تسلية وعدة جليلة . أي : هو عالم فيما يبتلى به وغيره ، فلا يضق صدرك . فإن في صبرك سعادة وفوزا في الدارين .