وقوله تعالى:
[ ص: 4312 ] القول في تأويل قوله تعالى:
[104]
nindex.php?page=treesubj&link=30296_30340_32437_33678_33679_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين [105]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29778_30478_34185_34265_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون [106]
nindex.php?page=treesubj&link=29785_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين [107]
nindex.php?page=treesubj&link=31048_34274_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء أي: اذكره. أو ظرف لـ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لا يحزنهم أو لـ: " تتلقاهم " . والطي ضد النشر. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كطي السجل للكتب أي: كما يطوى السجل وهو الكتاب. واللام في (للكتب) لام التبيين. ولذلك قرئ: (الكتاب) بالإفراد. أو بمعنى (من) وفيه قرب من الأول. أو (الكتب) بمعنى المكتوب. أي: كطي الصحيفة على مكتوبها. فاللام بمعنى (على) وهو ما اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
تنبيه:
ما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
السجل اسم رجل كان يكتب للنبي صلوات الله عليه ، كما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما، فأثر منكر لا يصح.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : وقد صرح بوضعه جماعة من الحفاظ، وإن كان في سنن
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود. منهم شيخنا الحافظ
أبو الحجاج المزي.
وكذلك تقدم في رده الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وقال: لا يعرف في الصحابة أحد اسمه
السجل. [ ص: 4313 ] وكتاب النبي صلوات الله عليه، معروفون، وليس فيهم أحد اسمه
السجل.
وصدق رحمه الله في ذلك. وهو من أقوى الأدلة على نكارة هذا الحديث.
وأما من ذكره في أسماء الصحابة، فإنما اعتمد على هذا الحديث. والصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن السجل هي الصحيفة. انتهى.
هذه الآية كآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون وطي السماء كناية عن انكدار نجومها، ومحو رسومها، بفساد تركيبها واختلال نظامها. فلا يبقى أمر ما فيها من الكواكب على ما نراه اليوم. فيخرب العالم بأسره:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين أي: منجزين إياه. ثم أشار إلى تحقيق مصداقه، بإعزاز المنبئ عنه، وإيراثه ملك جاحده بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون أي: العاملون بطاعته. المنتهون إلى أمره ونهيه. دون العاملين منهم بمعصيته، المؤثرين طاعة الشيطان على طاعته. و(الزبور) علم على كتاب
داود عليه السلام، ويقال: المراد به كل كتاب منزل. والذكر -قالوا- التوراة أو أم الكتاب. يعني اللوح الذي كتب فيه كل شيء قبل الخلق، والله أعلم. وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إن في هذا لبلاغا لقوم عابدين إشارة إلى المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة. أو إلى العبرة في إيراث الأرض الصالحين ودحر المجرمين. و(البلاغ) الكفاية. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106لقوم عابدين أي: يعبدون الله، بما شرعه وأحبه ورضيه. ويؤثرون طاعته على طاعة الشياطين وشهوات النفس:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أي: وما أرسلناك بهذه الحنيفية والدين الفطري، إلا حال كونك رحمة للخلق، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين. وفي جعله نفس الرحمة مبالغة جلية. وجوز كون (رحمة) مفعولا له. أي: للرحمة، فهو نبي الرحمة.
[ ص: 4314 ] تنبيه:
قال
الرازي : إنه عليه السلام كان رحمة في الدين وفي الدنيا. أما في الدين فلأنه بعث والناس في جاهلية وضلالة وأهل الكتابين كانوا في حيرة من أمر دينهم لطول مكثهم وانقطاع تواترهم ووقوع الاختلاف في كتبهم. فبعث الله تعالى
محمدا صلى الله عليه وسلم حين لم يكن لطالب الحق سبيل إلى الفوز والثواب. فدعاهم إلى الحق وبين لهم سبيل الثواب، وشرع لهم الأحكام وميز الحلال من الحرام. ثم إنما ينتفع بهذه الرحمة من كانت همته طلب الحق، فلا يركن إلى التقليد ولا إلى العناد والاستكبار، وكان التوفيق قرينا له. قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء إلى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44وهو عليهم عمى وأما في الدنيا فلأنهم تخلصوا بسببه من كثير من الذل والقتال والحروب، ونصروا ببركة دينه. انتهى.
وقد أشرت إلى
nindex.php?page=treesubj&link=31052وجه الرحمة في بعثته صلوات الله عليه ، في (الشذرة) التي جمعتها في سيرته الزكية، في بيان افتقار الناس جميعا إلى رسالته، فقلت: كل من لحظ بعين الحكمة والاعتبار، ونفذت بصيرته إلى مكنون الأسرار، علم حاجة البشر كافة إلى رسالة خاتم النبيين، وأكبر منة الله به على العالمين، فقد بعث صلوات الله عليه وسلامه على حين فترة من الرسل، وإخافة للسبل، وانتشار من الأهواء، وتفرق من الملل، ما بين مشبه لله بخلقه، وملحد في اسمه، ومشير إلى غيره، كفر بواح، وشرك صراح، وفساد عام، وانتهاب للأموال والأرواح واغتصاب للحقوق، وشن للغارات، ووأد للبنات وأكل للدماء والميتات، وقطع للأرحام، وإعلان بالسفاح، وتحريف للكتب المنزلة، واعتقاد لأضاليل المتكهنة. وتأليه للأحبار والرهبان، وسيطرة من جبابرة الجور وزعماء الفتن وقادة الغرور، ظلمات بعضها فوق بعض، وطامات طبقت أكناف الأرض، استمرت الأمم على هذه الحال، الأجيال الطوال، حتى دعا داعي الفلاح، وأذن الله تعالى بالإصلاح. فأحدث بعد ذلك أمرا، وجعل بعد عسر يسرا. فإن النوائب إذا تناهت انتهت، وإذا توالت تولت. وذلك أن الله تعالى أرسل إلى البشر رسولا ليعتقهم من أسر الأوثان،
[ ص: 4315 ] ويخرجهم من ظلمة الكفر وعمى التقليد إلى نور الإيمان، وينقذهم من النار والعار، ويرفع عنه الآصار، ويطهرهم من مساوئ الأخلاق والأعمال، ويرشدهم إلى صراط الحق. قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين انتهى. وقوله تعالى:
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
[ ص: 4312 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
[104]
nindex.php?page=treesubj&link=30296_30340_32437_33678_33679_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [105]
nindex.php?page=treesubj&link=29677_29778_30478_34185_34265_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [106]
nindex.php?page=treesubj&link=29785_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ [107]
nindex.php?page=treesubj&link=31048_34274_28992nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ أَيِ: اذْكُرْهُ. أَوْ ظَرْفٌ لِـ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=103لا يَحْزُنُهُمُ أَوْ لِـ: " تَتَلَقَّاهُمْ " . وَالطَّيُّ ضِدُّ النَّشْرِ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ أَيْ: كَمَا يُطْوَى السِّجِلُّ وَهُوَ الْكِتَابُ. وَاللَّامُ فِي (لِلْكُتُبِ) لَامُ التَّبْيِينِ. وَلِذَلِكَ قُرِئَ: (الْكِتَابُ) بِالْإِفْرَادِ. أَوْ بِمَعْنَى (مِنْ) وَفِيهِ قُرْبٌ مِنَ الْأَوَّلِ. أَوِ (الْكُتُبُ) بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ. أَيْ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ عَلَى مَكْتُوبِهَا. فَاللَّامُ بِمَعْنَى (عَلَى) وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ .
تَنْبِيهٌ:
مَا نُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ
السِّجِلَّ اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، كَمَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا، فَأَثَرٌ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : وَقَدْ صَرَّحَ بِوَضْعِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَإِنْ كَانَ فِي سُنَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبِي دَاوُدَ. مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْحَافِظُ
أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ.
وَكَذَلِكَ تَقَدَّمَ فِي رَدِّهِ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ: لَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ اسْمُهُ
السِّجِلُّ. [ ص: 4313 ] وَكُتَّابُ النَّبِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مَعْرُوفُونَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ اسْمُهُ
السِّجِلُّ.
وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَلِكَ. وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى نَكَارَةِ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا مَنْ ذَكَرَهُ فِي أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّمَا اعْتَمَدَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَالصَّحِيحُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السِّجِلَّ هِيَ الصَّحِيفَةُ. انْتَهَى.
هَذِهِ الْآيَةُ كَآيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=67وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَطَيُّ السَّمَاءِ كِنَايَةٌ عَنِ انْكِدَارِ نُجُومِهَا، وَمَحْوِ رُسُومِهَا، بِفَسَادِ تَرْكِيبِهَا وَاخْتِلَالِ نِظَامِهَا. فَلَا يَبْقَى أَمْرُ مَا فِيهَا مِنَ الْكَوَاكِبِ عَلَى مَا نَرَاهُ الْيَوْمَ. فَيُخَرَّبُ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أَيْ: مُنْجِزِينَ إِيَّاهُ. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى تَحْقِيقِ مِصْدَاقِهِ، بِإِعْزَازِ الْمُنْبِئِ عَنْهُ، وَإِيرَاثِهِ مُلْكَ جَاحِدِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ أَيِ: الْعَامِلُونَ بِطَاعَتِهِ. الْمُنْتَهُونَ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ. دُونَ الْعَامِلِينَ مِنْهُمْ بِمَعْصِيَتِهِ، الْمُؤْثِرِينَ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى طَاعَتِهِ. وَ(الزَّبُورُ) عَلَمٌ عَلَى كِتَابِ
دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيُقَالُ: الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ كِتَابٍ مُنَزَّلٍ. وَالذِّكْرُ -قَالُوا- التَّوْرَاةُ أَوْ أُمُّ الْكِتَابِ. يَعْنِي اللَّوْحَ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ قَبْلَ الْخَلْقِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاعِظِ الْبَالِغَةِ. أَوْ إِلَى الْعِبْرَةِ فِي إِيرَاثِ الْأَرْضِ الصَّالِحِينَ وَدَحْرِ الْمُجْرِمِينَ. وَ(الْبَلَاغُ) الْكِفَايَةُ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=106لِقَوْمٍ عَابِدِينَ أَيْ: يَعْبُدُونَ اللَّهَ، بِمَا شَرَعَهُ وَأَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ. وَيُؤْثِرُونَ طَاعَتَهُ عَلَى طَاعَةِ الشَّيَاطِينِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أَيْ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ بِهَذِهِ الْحَنِيفِيَّةِ وَالدِّينِ الْفِطْرِيِّ، إِلَّا حَالَ كَوْنِكَ رَحْمَةً لِلْخَلْقِ، فَإِنَّ مَا بُعِثْتَ بِهِ سَبَبٌ لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ. وَفِي جَعْلِهِ نَفْسَ الرَّحْمَةِ مُبَالَغَةٌ جَلِيَّةٌ. وَجُوِّزَ كَوْنُ (رَحْمَةً) مَفْعُولًا لَهُ. أَيْ: لِلرَّحْمَةِ، فَهُوَ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ.
[ ص: 4314 ] تَنْبِيهٌ:
قَالَ
الرَّازِيُّ : إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ رَحْمَةً فِي الدِّينِ وَفِي الدُّنْيَا. أَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ بُعِثَ وَالنَّاسُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَضَلَالَةٍ وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ كَانُوا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لِطُولِ مُكْثِهِمْ وَانْقِطَاعِ تَوَاتُرِهِمْ وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي كُتُبِهِمْ. فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِطَالِبِ الْحَقِّ سَبِيلٌ إِلَى الْفَوْزِ وَالثَّوَابِ. فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَ الثَّوَابِ، وَشَرَعَ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَمَيَّزَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ. ثُمَّ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ طَلَبَ الْحَقِّ، فَلَا يَرْكَنُ إِلَى التَّقْلِيدِ وَلَا إِلَى الْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَكَانَ التَّوْفِيقُ قَرِينًا لَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّهُمْ تَخَلَّصُوا بِسَبَبِهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الذُّلِّ وَالْقِتَالِ وَالْحُرُوبِ، وَنُصِرُوا بِبَرَكَةِ دِينِهِ. انْتَهَى.
وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31052وَجْهِ الرَّحْمَةِ فِي بِعْثَتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فِي (الشَّذْرَةِ) الَّتِي جَمَعَتْهَا فِي سِيرَتِهِ الزَّكِيَّةِ، فِي بَيَانِ افْتِقَارِ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَى رِسَالَتِهِ، فَقُلْتُ: كُلُّ مَنْ لَحَظَ بِعَيْنِ الْحِكْمَةِ وَالِاعْتِبَارِ، وَنَفَذَتْ بَصِيرَتُهُ إِلَى مَكْنُونِ الْأَسْرَارِ، عَلِمَ حَاجَةَ الْبَشَرِ كَافَّةً إِلَى رِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَأَكْبَرَ مِنَّةَ اللَّهِ بِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ، فَقَدْ بُعِثَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَإِخَافَةٍ لِلسُّبُلِ، وَانْتِشَارٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ، وَتَفَرُّقٍ مِنَ الْمِلَلِ، مَا بَيْنَ مُشَبِّهٍ لِلَّهِ بِخَلْقِهِ، وَمُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ، وَمُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ، كُفْرٌ بَوَاحٌ، وَشِرْكٌ صُرَاحٌ، وَفَسَادٌ عَامٌّ، وَانْتِهَابٌ لِلْأَمْوَالِ وَالْأَرْوَاحِ وَاغْتِصَابٌ لِلْحُقُوقِ، وَشَنٌّ لِلْغَارَاتِ، وَوَأْدٌ لِلْبَنَاتِ وَأَكْلٌ لِلدِّمَاءِ وَالْمَيْتَاتِ، وَقَطْعٌ لِلْأَرْحَامِ، وَإِعْلَانٌ بِالسِّفَاحِ، وَتَحْرِيفٌ لِلْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَاعْتِقَادٌ لِأَضَالِيلِ الْمُتَكَهِّنَةِ. وَتَأْلِيهٌ لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، وَسَيْطَرَةٌ مِنْ جَبَابِرَةِ الْجَوْرِ وَزُعَمَاءِ الْفِتَنِ وَقَادَةِ الْغُرُورِ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، وَطَامَّاتٌ طَبَّقَتْ أَكْنَافَ الْأَرْضِ، اسْتَمَرَّتِ الْأُمَمُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، الْأَجْيَالَ الطِّوَالَ، حَتَّى دَعَا دَاعِي الْفَلَاحِ، وَأَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِصْلَاحِ. فَأَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا، وَجَعَلَ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا. فَإِنَّ النَّوَائِبَ إِذَا تَنَاهَتِ انْتَهَتْ، وَإِذَا تَوَالَتْ تَوَلَّتْ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَ إِلَى الْبَشَرِ رَسُولًا لِيُعْتِقَهُمْ مِنْ أَسْرِ الْأَوْثَانِ،
[ ص: 4315 ] وَيُخْرِجَهُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ وَعَمَى التَّقْلِيدِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ، وَيُنْقِذَهُمْ مِنَ النَّارِ وَالْعَارِ، وَيَرْفَعَ عَنْهُ الْآصَارَ، وَيُطَهِّرَهُمْ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، وَيُرْشِدَهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْحَقِّ. قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: