[100] قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا .
قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي أي : رزقه وسائر نعمه على خلقه : إذا لأمسكتم خشية الإنفاق أي : لبخلتم بها مخافة نفادها بالإنفاق ، مع أنها لا تفرغ ولا تنفد أبدا ; لأن هذا من طباعكم وسجاياكم . ولهذا قال سبحانه : وكان الإنسان قتورا أي : بخيلا .
[ ص: 4005 ] تنبيهات:
الأول : هذه الآية بلغت بالمشركين ، من الوصف بالشح ، الغاية التي لا يبلغها الوهم ، كما قاله . الزمخشري
الثاني : ما اقتضاه آخر الآية من بخل كل أحد ، فأما بالنسبة إلى الجواد الحقيقي سبحانه ; لأن المرء إما ممسك أو منفق . والثاني لا يكون إلا لغرض للعاقل ، إما دنيوي كعوض مالي ، أو معنوي كثناء جميل أو خدمة واستمتاع ، كما في النفقة على الأهل . وما كان لعوض مالي كان مبادلة لا مباذلة . أو هو بالنظر إلى الأغلب ، وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل :
عدنا في زماننا عن حديث المكارم
من كفى الناس شره فهو في جود حاتم
أفاده الشهاب .
وقال : إن الله تعالى يصف الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله وهداه ، فإن البخل والجزع والهلع صفة له . كما قال تعالى : ابن كثير إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز .
الثالث : ذكر هذه الآية إثر ما قبلها ، لتقرير انفراده تعالى بملك خزائن الرحمة ، وسعة كرمه وجوده وإحسانه . كما انفرد بتلك القدرة الباهرة من خلق السماوات والأرض ، كي تنجلي لهم قدرته العظمى ، وسعة خزائنه الملأى ، فيصلوا بذلك إلى اليقين بصحة ما ادعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحقية ما يدعوهم إليه.
وذكر هذا المعنى في أسلوب بيان ما فطر عليه الإنسان ، تذكيرا له بنقصه وضعفه ، وإشفاقه وحرصه ; ليعلم أنه غير مخلوق سدى ، يخلى بينه وبين ما تتقاضاه به نفسه وهواه . والمعنى : أفلا تعتبرون بسعة رحمته وعميم فضله ومما يبرهن على وحدانيته في ألوهيته ، [ ص: 4006 ] ولا ترون ما أنتم عليه من أنكم لو ملكتم ما لا نفاد له من خزائنه ، لضننتم بها، مما يدلكم على أنه هو مالك الملك ، وأنكم مسخرون لأمره ؟ ! وهذه الآية كقوله تعالى : أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أي: لو أن لهم نصيبا في ملك الله ، لما أعطوا أحدا شيئا ولا مقدار نقير. وقد جاء في الصحيحين : . « يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار . أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه»
وقوله تعالى :