ثم بين تعالى بقوله : أمره بالوفاء بالعهد والميثاق ، والمحافظة على الأيمان المؤكدة
القول في تأويل قوله تعالى :
[91] وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون .
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون
[ ص: 3852 ] روى ابن جرير عن قال : نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم . كان من أسلم بايع النبي على الإسلام ، فأمروا بالوفاء بهذه البيعة وأن لا ينقصوها بعد توكيدها بالأيمان بريدة . أي : لا يحملنكم قلة المؤمنين وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام . وظاهر أن العهد يتناول كل أمر يجب الوفاء بمقتضاه ، مما يلتزمه المرء باختياره ، كالمبايعة على الإسلام ، وعهد الجهاد ، وما التزمه من نذر وما أكده بحلف . وعلى هذا ، فتخصيص اليمين بالذكر ؛ للتنبيه على أنه أولى أنواع العهد بوجوب الرعاية . و ( التوكيد والتأكيد ) ، لغتان فصيحتان . والأصل الواو ، والهمزة بدل منها . والواو في قوله : وقد جعلتم الله عليكم كفيلا للحال من فاعل : تنقضوا أو من فاعل المصدر وإن كان محذوفا . ومعنى : كفيلا شهيدا رقيبا . و ( الجعل ) مجاز ، فإن من حلف به تعالى وهو مطلع عليه فكأنه جعله شاهدا . قال الشهاب : ولو أبقى ( الكفيل ) على ظاهره ، وجعل تمثيلا لعدم تخلصهم من عقوبته ، وأنه يسلمهم لها كما يسلم الكفيل من كفله ، كما يقال : ( من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه ) تنبيها على أنه لا يمكنه التخلص من العقوبة كما ذكره الراغب ؛ لكان معنى بليغا جدا . وقوله تعالى : إن الله يعلم ما تفعلون كالتفسير لما قبله . وفيه ترغيب وترهيب .
تنبيه :
في الآية . وجلي أنها فيما فيه طاعة وبر وتقوى . وأما فيما عدا ذلك فالخير في نقضها . وقد دل عليه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال : الحث على البر في الأيمان . وفي رواية : « إني ، والله ، لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها ، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها » . فالحديث في معنى ، والآية في معنى آخر . فلا تعارض ، كما وهم . وقوله تعالى : « وكفرت عن يميني »
[ ص: 3853 ]