[ 63 ] وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم .
وألف بين قلوبهم أي : جمع بين قلوبهم وكلمتهم ، بالهدى الذي بعثك الله به إليهم ، بعد ما كان فيها العصبية والضغينة لو أنفقت ما في الأرض جميعا أي : من الذهب والفضة ما ألفت بين قلوبهم إذ لا يدخل ذلك تحت قدرة البشر ، لكونه من عالم الغيب ولكن الله ألف بينهم أي : بين قلوبهم بدينه الذي جمعهم إليه ، إنه عزيز أي : غالب في ملكه وسلطانه على كل ظاهر وباطن حكيم أي : فاقتضت حكمته ذلك ، لما فيه من تأييد دينه ، وإعلاء كلمته .
قال ـ رحمه الله تعالى ـ : التأليف بين قلوب من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الآيات الباهرة ، لأن الزمخشري العرب لما فيهم من الحمية والعصبية والانطواء على الضغينة في أدنى شيء ، وإلقائه بين أعينهم ، وإلى أن ينتقموا ، لا يكاد يأتلف منهم قلبان ، ثم ائتلفت قلوبهم على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتحدوا وأنشأوا يرمون عن قوس واحدة ، وذلك لما نظم الله من ألفتهم ، وجمع من كلمتهم ، وأحدث بينهم من التحاب والتواد ، وأماط عنهم من التباغض والتماقت ، وكلفهم من الحب في الله والبغض في الله ، ولا يقدر على ذلك إلا من يملك القلوب ، فهو يقلبها كما شاء ، ويصنع فيها ما أراد .
وقيل : هم الأوس والخزرج ، كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم ، ودق جماجمهم ، ولم يكن لبغضائهم أمد ومنتهى ، وبينهما التجاور الذي يهيج الضغائن ، ويديم التحاسد والتنافس .
وعادة كل طائفتين كانتا بهذه المثابة أن تتجنب هذه ما آثرته أختها ، وتكرهه وتنفر عنه ، فأنساهم الله تعالى ذلك كله ، حتى اتفقوا على الطاعة ، وتصافوا وصاروا أنصارا وعادوا أعوانا
وما ذاك إلا بلطيف صنعه ، وبليغ قدرته . انتهى .
[ ص: 3029 ] وإنما ضعف القول الثاني لأنه ليس في السياق قرينة عليه . كذا في ( " العناية " ) .
أقول : لكن شهرة ما كن بين هذين البطنين من التعادي الذي تطاول أمده ، واستحال قبل البعثة نضوب مائه ، يصلح أن يكون قرينة . ونقل علماء السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما لقي في الموسم الرهط من الخزرج ، ودعاهم إلى الله تعالى . فأجابوه وصدقوه ، قالوا له : إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، وعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك ، نعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعز منك . رواه وغيره . ابن إسحاق
وفي الصحيحين الأنصار في شأن غنائم ( حنين ) ، قال لهم : « يا معشر الأنصار ! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ؟ وعالة فأغناكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي » ؟ كلما قال شيئا قال : « الله ورسوله أمن » . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خطب
لطيفة :
روى أن الحاكم كان يقول : إن الرحم لتقطع ، وإن النعمة لتكفر ، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء . ثم يقرأ : ابن عباس لو أنفقت ما في الأرض الآية .
وعند نحوه . وقال موجود في الشعر : البيهقي
إذا بت ذو قربى إليك بزلة فغشك واستغنى فليس بذي رحم
ولكن ذا القربى الذي إن دعوته
أجاب ، وأن يرمي العدو الذي ترمي
[ ص: 3030 ] قال : ومن ذلك قول القائل :
ولقد صحبت الناس ثم سبرتهم وبلوت ما وصلوا من الأسباب
فإذا القرابة لا تقرب قاطعا وإذا المودة أقرب الأسباب
قال : لا أدري هذا موصولا بكلام البيهقي ، أو هو قول من دونه من الرواة . ابن عباس
قال الرازي : احتج أصحابنا بهذه الآية ، على أن أحوال القلوب من العقائد والإرادات ، كلها من خلق الله تعالى ، وذلك لأن الألفة والمودة والمحبة الشديدة إنما حصلت بسبب الإيمان ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . انتهى .
ولما بين تعالى كفايته لنبيه صلى الله عليه وسلم عند مخادعة الأعداء ، في الآية المتقدمة ، أعلمه بكفايته له في جميع أموره مطلقا ، فقال تعالى :