القول في تأويل قوله تعالى :
[ 26 ] واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون .
واذكروا أي : يا معشر المهاجرين إذ أنتم قليل أي : في العدد ، مستضعفون في الأرض أي : مقهورون في أرض مكة قبل الهجرة ، تستضعفكم قريش تخافون أن يتخطفكم الناس أي : أهل مكة .
و ( تخطفه ) و ( اختطفه ) بمعنى استلبه وأخذه [ ص: 2978 ] بسرعة فآواكم أي : إلى المدينة : وأيدكم بنصره يعني أعانكم وقواكم يوم بدر بنصره ، وذلك بمظاهرة الأنصار ، وإمداد الملائكة ، والتثبيت الرباني ، ورزقكم من الطيبات أي : الغنائم لأنها لم تطب إلا لهم لعلكم تشكرون أي : المولى على ما فضل به وأولى .
وما ذكرنا من كون الخطاب في الآية للمهاجرين خاصة ، هو أنسب بالمقام والسياق ، والسياق يشعر به . وقيل : الخطاب للعرب كافة وعليه قول ـ رحمه الله ـ في هذه الآية : كان هذا الحي من قتادة بن دعامة السدوسي العرب أذل الناس وأشقاه عيشا ، وأجوعه بطونا ، وأعراه جلودا ، وأثبته ضلالا .
والله ما نعلم قبيلا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا أشر منزلا منهم ، حتى جاء الله بالإسلام ، فمكن به في البلاد ، ووسع به في الرزق ، وجعلهم به ملوكا على رقاب الناس . وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم ، فاشكروا الله على نعمه ، فإن ربكم منعم يحب الشكر ، وأهل الشكر في مزيد من الله . انتهى .
وأقول : الأمر في العرب ، وإن كان كما ذكر ، لكن في تنزيل بعض ألفاظ الآية عليه تكلف لا يخفى فالظاهر ما ذكرنا .