قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين
قوله تعالى: ما منعك ألا تسجد ما استفهام ، ومعناها الإنكار . قال "لا" هاهنا زائدة . والمعنى: ما منعك أن تسجد؟ وقال الكسائي: : موضع "ما" رفع . والمعنى: أي شيء منعك من السجود؟ و"لا" زائدة [ ص: 174 ] مؤكدة; ومثله: الزجاج لئلا يعلم أهل الكتاب [الحديد:29] . قال وقد تزاد "لا" في الكلام . والمعنى: طرحها لإباء في الكلام ، أو جحد ، كهذه الآية . وإنما زاد "لا" لأنه لم يسجد . ومثله: ابن قتيبة: أنها إذا جاءت لا يؤمنون [الأنعام:109] على قراءة من فتح "أنها" ، فزاد "لا" لأنهم لم يؤمنوا; ومثله: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون [الأنبياء: 95] . وقال "لا" هاهنا جحد محض ، وليست بزائدة ، والمنع راجع إلى تأويل القول ، والتأويل: من قال لك: لا تسجد; فأحل المنع محل القول ، ودخلت بعده "أن" ليدل على تأويل القول الذي لم يتصرح لفظه . وقال الفراء: في الكلام محذوف ، تقديره: ما منعك من السجود ، فأحوجك أن لا تسجد؟ . قال ابن جرير: : وسؤال الله تعالى لإبليس ما منعك توبيخ له ، وليظهر أنه معاند ، ولذلك لم يتب ، وأتى بشيء في معنى الجواب ، ولفظه غير الجواب ، لأن قوله: الزجاج أنا خير منه إنما هو جواب ، أيكما خير؟ ولكن المعنى: منعني من السجود فضلي عليه . ومثله قولك للرجل: كيف كنت؟ فيقول: أنا صالح; وإنما الجواب: كنت صالحا ، فيجيب بما يحتاج إليه وزيادة . قال العلماء: وقع الخطأ من إبليس حين قاس مع وجود النص ، وخفي عليه فضل الطين على النار; وفضله من وجوه .
أحدها أن من طبع النار الطيش والالتهاب والعجلة ، ومن طبع الطين الهدوء والرزانة .
والثاني: أن الطين سبب الإنبات والإيجاد ، والنار سبب الإعدام والإهلاك .
والثالث: أن الطين سبب جمع الأشياء ، والنار سبب تفريقها .