ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا
قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم سبب نزولها: أن مرحب ابن زيد ، وبحري بن عون -وهما من اليهود- أتيا النبي صلى الله عليه وسلم بأطفالهما ، ومعهما طائفة من اليهود فقالوا: يا محمد هل على هؤلاء من ذنب؟ قال: لا ، قالوا: والله ما نحن إلا كهيئتهم ، ما من ذنب نعمله بالنهار إلا كفر عنا بالليل ، وما من ذنب نعمله بالليل إلا كفر عنا بالنهار ، فنزلت هذه الآية . هذا قول ابن عباس .
وفي قوله ألم تر قولان . أحدهما: ألم تخبر ، قاله والثاني: ألم تعلم ، قاله ابن قتيبة . . وفي الذين يزكون أنفسهم قولان . أحدهما: اليهود على ما ذكرنا عن الزجاج وبه قال ابن عباس ، مجاهد ، وقتادة ، والثاني: أنهم اليهود ، والنصارى ، وبه قال ومقاتل . الحسن ، ومعنى "يزكون أنفسهم": يزعمون أنهم أزكياء ، يقال: زكى الشيء: إذا نما في الصلاح . وابن زيد ،
وفي الذي زكوا به أنفسهم أربعة أقوال .
أحدها: أنهم برؤوا أنفسهم من الذنوب ، رواه عن أبو صالح ، ابن عباس .
[ ص: 105 ] والثاني: أن اليهود قالوا: إن أبناءنا الذين ماتوا يزكوننا عند الله ، ويشفعون لنا رواه عطية ، عن ابن عباس .
والثالث: أن اليهود كانوا يقدمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم ، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم ، هذا قول عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك .
والرابع: أن اليهود والنصارى قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه [المائدة: 18] وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [البقرة: 111] هذا قول الحسن ، وقتادة .
قوله تعالى: بل الله يزكي من يشاء أي: يجعله زاكيا ، ولا يظلم الله أحدا مقدار فتيل . قال وأصل "الفتيل" المفتول ، صرف عن مفعول إلى فعيل ، كصريع ، ودهين . ابن جرير:
وفي الفتيل قولان . أحدهما: أنه ما يكون في شق النواة ، رواه عن عكرمة ، وبه قال ابن عباس ، مجاهد ، وعطاء بن أبي رباح ، والضحاك ، وعطية ، وقتادة ، وابن زيد ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج .
والثاني: أنه ما يخرج بين الأصابع من الوسخ إذا دلكن ، رواه عن العوفي ، وبه قال ابن عباس ، سعيد بن جبير ، وأبو مالك ، والسدي ، والفراء .