ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء [ ص: 196 ] ألا إنهم هم الكاذبون . استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
قوله تعالى: ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم نزلت في المنافقين الذين تولوا اليهود، ونقلوا إليهم أسرار المؤمنين . وقال السدي، نزلت في ومقاتل: عبد الله بن نبتل المنافق، وذلك وروى أنه كان يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفع حديثه إلى اليهود، فدخل عليه يوما، وكان أزرق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فحلف بالله ما فعل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فعلت" فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فأنزل الله هذه الآيات . في "صحيحه" من حديث الحاكم أبو عبد الله ابن عباس، يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون . . . الآية . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ظل حجرة من حجره، وعنده نفر من المسلمين، فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا أتاكم فلا تكلموه، فجاء رجل أزرق، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علام تشتمني أنت وفلان وفلان؟ فانطلق الرجل فدعاهم، فحلفوا بالله، واعتذروا إليه، فأنزل الله تعالى:
فأما التفسير، فالذين تولوا: هم المنافقون، والمغضوب عليهم: هم اليهود ما هم منكم يعني: المنافقين ليسوا من المسلمين، ولا من اليهود ويحلفون على الكذب وهو ما ذكرنا في سبب نزولها . وقال بعضهم: حلفوا أنهم ما سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تولوا اليهود وهم يعلمون أنهم كذبة اتخذوا أيمانهم [ ص: 197 ] جنة أي: سترة يتقون بها القتل . قال المعنى: استتروا بالحلف، فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين، ابن قتيبة: فصدوا عن سبيل الله فيه قولان .
أحدهما: صدوا الناس عن دين الإسلام قاله السدي .
والثاني: صدوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم .
قوله تعالى: فيحلفون له قال مقاتل، يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين، كما حلفوا لأوليائه في الدنيا وقتادة: ويحسبون أنهم على شيء من أيمانهم الكاذبة ألا إنهم هم الكاذبون في قولهم وأيمانهم .
قوله تعالى: استحوذ عليهم الشيطان قال غلب عليهم، وحاذهم، وقد بينا هذا في سورة [النساء] عند قوله تعالى: أبو عبيدة: نستحوذ عليكم [آية: 141]، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: أولئك في الأذلين أي: في المغلوبين، فلهم في الدنيا ذل، وفي الآخرة خزي .