قوله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم قرأ ابن كثير، ونافع، "يظهرون" بفتح الياء، وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف . وقرأ وأبو عمرو ، أبو جعفر وابن عامر، وحمزة، بفتح الياء، وتشديد الظاء، وبألف، وتخفيف الهاء . وقرأ والكسائي "يظاهرون" بضم الياء، وتخفيف الظاء والهاء، وكسر الهاء في الموضعين مع إثبات الألف . وقرأ عاصم "يتظاهرون" بياء، وتاء، وألف . وقرأ ابن مسعود "يتظهرون" بياء، وتاء، وتخفيف الياء، وتشديد الهاء من غير ألف . وقرأ أبي بن كعب الحسن، والضحاك "يظهرون" بفتح الياء، وفتح الظاء، مخففة، مكسورة الهاء مشددة . والمعنى: تقولون لهن: أنتن كظهور أمهاتنا وقتادة، ما هن أمهاتهم قرأ الأكثرون بكسر التاء . وروى عن المفضل رفعها . والمعنى: ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات لهم عاصم إن أمهاتهم [ ص: 183 ] أي: ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم قال وانتصاب "الأمهات" ها هنا بإلقاء الباء، وهي قراءة الفراء: "ما هن بأمهاتهم"، ومثله: عبد الله ما هذا بشرا [يوسف: 31]، المعنى: ما هذا ببشر، فلما ألقيت الباء أبقي أثرها، وهو: النصب، وعلى هذا كلام أهل الحجاز . فأما أهل نجد، فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا، وقالوا: "ما هن أمهاتهم" و"ما هذا بشر" أنشدني بعض العرب:
ركاب حسيل آخر الصيف بدن وناقة عمرو ما يحل لها رحل
ويزعم حسل أنه فرع قومه
وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل
قوله تعالى: وإنهم يعني: المظاهرين ليقولون منكرا من القول لتشبيههم الزوجات بالأمهات، والأمهات محرمات على التأبيد، بخلاف الزوجات . وزورا أي: كذبا وإن الله لعفو غفور إذ شرع الكفارة لذلك .
قوله تعالى: ثم يعودون لما قالوا اللام في "لما" بمعنى "إلى" والمعنى: ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء . قال معنى الآية: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا . وقال الفراء: : المعنى: يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرموه على [ ص: 184 ] أنفسهم . وقال سعيد بن جبير الحسن، وطاووس، العود: هو الوطء . وهذا يرجع إلى ما قلناه . وقال والزهري: هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه طلاقها فيه فلا يطلقها . فإذا وجد هذا، استقرت عليه الكفارة، لأنه قصد بالظهار تحريمها، فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه، وإن سكت عن الطلاق، فقد ندم على ما ابتدأ به، فهو عود إلى ما كان عليه، فحينئذ تجب الكفارة . وقال الشافعي: داود: هو إعادة اللفظ ثانيا، لأن ظاهر قوله تعالى: " يعودون " يدل على تكرير اللفظ . قال وهذا قول من لا يدري اللغة . وقال الزجاج: ليس في هذا كما ادعوا، لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبل، وسميت الآخرة معادا، ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليها قال أبو علي الفارسي: الهذلي:
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى الحق شيئا واستراح العواذل
وقد شرحنا هذا في قوله تعالى: وإلى الله ترجع الأمور [البقرة: 210] قال من توهم أن الظهار لا يقع حتى يلفظ به ثانية، فليس بشيء، لأن الناس قد أجمعوا أن ابن قتيبة: . وإنما تأويل الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يطلقون بالظهار، فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في [ ص: 185 ] الجاهلية، وأنزل قوله تعالى: الظهار يقع بلفظ واحد والذين يظاهرون من نسائهم يريد في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا في الإسلام، أي: يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام، فتحرير رقبة قال المفسرون: المعنى: فعليهم، أو فكفارتهم تحرير رقبة، أي: عتقها . وهل يشترط أن تكون مؤمنة؟ فيه عن روايتان . أحمد
قوله تعالى: من قبل أن يتماسا وهو كناية عن الجماع على أن العلماء قد اختلفوا: وعن هل يباح للمظاهر الاستمتاع باللمس والقبلة؟ روايتان . وقال أحمد أبو الحسن تقدير الآية " والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم " . الأخفش:
[ ص: 186 ]
فصل
إذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر أثم، واستقرت الكفارة . وقال أبو حنيفة: يسقط الظهار والكفارة . واختلف العلماء فيما يجب عليه إذا فعل ذلك، فقال الحسن، وسعيد بن المسيب، وطاووس، ومجاهد، وإبراهيم، عليه كفارة واحدة، وقال وابن سيرين: الزهري، في آخرين: عليه كفارتان . فإن قال: أنت علي كظهر أمي اليوم، بطل الظهار بمضي اليوم، هذا قول أصحابنا، وقتادة وأبي حنيفة، والثوري، وقال والشافعي . ابن أبي ليلى، ومالك، هو مظاهر أبدا . والحسن بن صالح:
واختلفوا في فقال الظهار من الأمة، ليس من أمة ظهار، وبه قال ابن عباس: سعيد بن المسيب، والشعبي، والنخعي، وأبو حنيفة، وقال والشافعي . ، سعيد بن جبير وطاووس، وعطاء، والأوزاعي، والثوري، هو ظهار . ونقل ومالك: أبو طالب عن أنه قال: لا يكون مظاهرا من أمته، لكن تلزمه أحمد كما قال في المرأة إذا ظاهرت من زوجها لم تكن مظاهرة، وتلزمها كفارة الظهار . كفارة الظهار،
واختلفوا فيمن ظاهر مرارا، فقال أبو حنيفة، إن كان في مجالس، فكفارات، وإن كان في مجلس واحد، فكفارة: قال والشافعي: وعلى قول أصحابنا: يلزمه كفارة واحدة سواء كان في مجلس، أو في مجالس، ما لم يكفر، وهذا قول القاضي أبو يعلى: مالك .
قوله تعالى: ذلكم توعظون به قال ذلكم التغليظ توعظون به . والمعنى: أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار . الزجاج:
[ ص: 187 ] قوله تعالى: فمن لم يجد يعني: الرقبة فصيام شهرين أي: فعليه صيام شهرين ( متتابعين فمن لم يستطع ) الصيام "فـ" كفارته " إطعام ستين مسكينا ذلك " أي: الفرض ذلك الذي وصفنا لتؤمنوا بالله ورسوله أي: تصدقوا بأن الله أمر بذلك، وتصدقوا بما أتى به الرسول وتلك حدود الله يعني: ما وصفه الله من الكفارات في الظهار وللكافرين عذاب أليم قال لمن جحد هذا وكذب به . ابن عباس: