ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
قوله تعالى ولله ما في السماوات وما في الأرض هذا إخبار عن قدرته وسعة ملكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله: ليجزي الذين أساءوا لأن اللام في "ليجزي" متعلقة بمعنى الآية الأولى، لأنه إذا كان أعلم بهما، جازى كلا بما يستحقه، وهذه لام العاقبة، وذلك أن علمه بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك، فلذلك أخبر به في قوله: ولله ما في السماوات وما في الأرض قال المفسرون: "وأساؤوا" بمعنى أشركوا، "وأحسنوا" بمعنى وحدوا . والحسنى: الجنة . والكبائر مذكورة في سورة (النساء: 31) وقيل: كبائر الإثم: كل ذنب ختم بالنار، والفواحش: كل ذنب فيه الحد . وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، "يجتنبون كبير الإثم" ، واللمم في كلام وخلف: العرب: المقاربة للشيء . وفي المراد به ها هنا ستة أقوال .
[ ص: 76 ] أحدها: ما ألموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية، فإنه يغفر في الإسلام، قاله زيد بن ثابت .
والثاني: أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود، قاله ابن عباس، والحسن، والسدي .
والثالث: أنه صغار الذنوب، كالنظرة والقبلة وما كان دون الزنا، قاله ابن مسعود، وأبو هريرة، والشعبي، ويؤيد هذا حديث ومسروق، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة آدم حظه من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تشتهي وتتمنى، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج، فإن تقدم بفرجه كان الزنا، وإلا فهو اللمم . "إن الله كتب على ابن
والرابع: أنه ما يهم به الإنسان، قاله محمد بن الحنفية .
والخامس: أنه ألم بالقلب، أي: خطر، قاله سعيد بن المسيب .
والسادس: أنه النظر من غير تعمد، قاله فعلى القولين [الأولين] يكون الاستثناء من الجنس، وعلى باقي الأقوال ليس من الجنس . الحسين بن الفضل .
قوله تعالى: إن ربك واسع المغفرة قال لمن فعل ذلك ثم تاب . وها هنا تم الكلام . ثم قال: ابن عباس: هو أعلم بكم يعني قبل خلقكم إذ أنشأكم من الأرض يعني آدم عليه السلام وإذ أنتم أجنة جمع جنين; والمعنى أنه علم ما تفعلون وإلى ماذا تصيرون؟، فلا تزكوا أنفسكم أي: لا تشهدوا لها أنها زكية بريئة من المعاصي . وقيل: لا تمدحوها بحسن أعمالها . وفي سبب نزول هذه الآية قولان .
[ ص: 77 ] أحدهما: أن اليهود كانوا إذا هلك لهم صبي، قالوا: صديق، فنزلت هذه الآية، هذا قول رضي الله عنها . عائشة
والثاني: أن ناسا من المسلمين قالوا: قد صلينا وصمنا وفعلنا، يزكون أنفسهم، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .
قوله تعالى: هو أعلم بمن اتقى فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: عمل حسنة وارعوى عن معصية، قاله علي رضي الله عنه .
والثاني: أخلص العمل لله، قاله والثالث: اتقى الشرك فآمن، قاله الحسن . الثعلبي .