قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا قال نزلت في أعراب مجاهد: بني أسد بن خزيمة . ووصف غيره حالهم، فقال: قدموا المدينة في سنة مجدبة، فأظهروا [ ص: 476 ] الإسلام ولم يكونوا مؤمنين، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات، وأغلوا أسعارهم، وكانوا يمنون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك، فنزلت فيهم هذه الآية . وقال نزلت في أعراب السدي: مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار [وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة [الفتح] وكانوا يقولون: آمنا بالله، ليأمنوا على أنفسهم]، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا، فنزلت فيهم هذه الآية . وقال كانت منازلهم بين مقاتل: مكة والمدينة، فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا، ليأمنوا على دمائهم وأموالهم، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية استنفرهم فلم ينفروا معه .
قوله تعالى: قل لم تؤمنوا أي: لم تصدقوا ولكن قولوا أسلمنا قال : أي: استسلمنا من خوف السيف، وانقدنا . قال ابن قتيبة : الإسلام: إظهار الخضوع والقبول لما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك يحقن الدم، فإن كان معه اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإيمان، فأخرج الله هؤلاء من الإيمان بقوله: الزجاج ولما يدخل الإيمان في قلوبكم أي: لم تصدقوا، إنما أسلمتم تعوذا من القتل . وقال "ولما" بمعنى "ولم" يدخل التصديق في قلوبكم . مقاتل:
[ ص: 477 ] قوله تعالى: وإن تطيعوا الله ورسوله قال ابن عباس: إن تخلصوا الإيمان لا يلتكم قرأ "يألتكم" بألف وهمز; وروي عنه بألف ساكنة مع ترك الهمزة: وقرأ الباقون: "يلتكم" بغير ألف ولا همز . فقراءة أبو عمرو: من ألت يألت، وقراءة الباقين من لات يليت، قال أبي عمرو وهما لغتان، قال الفراء: : معناهما واحد . والمعنى: لا ينقصكم . وقال الزجاج فيها ثلاث لغات: ألت يألت، تقديرها: أفك يأفك، وألات يليت، تقديرها: أقال يقيل، ولات يليت، قال أبو عبيدة: رؤبة:
وليلة ذات ندى سريت ولم يلتني عن سراها ليت
قوله تعالى: من أعمالكم أي: من ثوابها . ثم نعت الصادقين في إيمانهم بالآية التي تلي هذه . ومعنى: يرتابوا يشكوا . وإنما ذكر الجهاد، لأن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فرضا في ذلك الوقت، أولئك هم الصادقون [في إيمانهم فلما نزلت هاتان الآيتان أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون] فنزلت [هذه الآية] .
قوله تعالى: قل أتعلمون الله بدينكم و "علم" بمعنى "أعلم"، ولذلك دخلت الباء في قوله: "بدينكم" والمعنى: أتخبرون [الله] بالدين الذي أنتم عليه؟!، [ ص: 478 ] أي: هو عالم بذلك لا يحتاج إلى إخباركم; وفيهم نزل قوله تعالى: يمنون عليك أن أسلموا قالوا: أسلمنا ولم نقاتلك [والله أعلم] .