هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما إنا أرسلناك [ ص: 425 ] شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما .
قوله تعالى: هو الذي أنزل السكينة أي: السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين لئلا تنزعج قلوبهم لما يرد عليهم، فسلموا لقضاء الله، وكانوا قد اشتد عليهم صد المشركين لهم عن البيت، حتى قال علام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره ولن يضيعني"، عمر: ثم أوقع الله الرضى بما جرى في قلوب المسلمين، فسلموا وأطاعوا .
ليزدادوا إيمانا وذلك أنه كلما نزلت فريضة زاد إيمانهم .
ولله جنود السماوات والأرض يريد أن جميع أهل السموات والأرض ملك له، لو أراد نصرة نبيه بغيركم لفعل، ولكنه اختاركم لذلك، فاشكروه .
قوله تعالى: ليدخل المؤمنين . . . [الآية] سبب نزولها قاله أنه لما نزل قوله: "إنا فتحنا لك" قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئا لك يا رسول الله بما أعطاك الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية، قال أنس بن مالك . [ ص: 426 ] فلما سمع مقاتل: عبد الله بن أبي بذلك، انطلق في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما لنا عند الله؟ فنزلت: ويعذب المنافقين . . . الآية .
قال كررت اللام في "ليدخل" على اللام في "ليغفر"، فالمعنى: إنا فتحنا لك ليغفر لك الله ليدخل المؤمنين، ولذلك لم يدخل بينهما واو العطف، والمعنى: ليدخل وليعذب . ابن جرير:
قوله تعالى: عليهم دائرة السوء قرأ ابن كثير، : بضم السين; والباقون: بفتحها . وأبو عمرو
قوله تعالى: وكان ذلك أي: ذلك الوعد بإدخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم عند الله أي: في حكمه فوزا عظيما لهم; والمعنى: أنه حكم لهم بالفوز، فلذلك وعدهم إدخال الجنة .
قوله تعالى: الظانين بالله ظن السوء فيه خمسة أقوال .
أحدها: أنهم ظنوا أن لله شريكا . والثاني: أن الله لا ينصر محمدا وأصحابه . والثالث: أنهم ظنوا به حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أويهزم ولا يعود ظافرا . والرابع: أنهم ظنوا أنهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة واحدة عند الله . والخامس: ظنوا أن الله لا يبعث الموتى . وقد بينا معنى "دائرة السوء" في [براءة: 98] .
وما بعد هذا قد سبق بيانه [الفتح: 4، الأحزاب: 45] إلى قوله: ( ليؤمنوا [ ص: 427 ] بالله ورسوله ) قرأ ابن كثير" : "ليؤمنوا" بالياء "ويعزروه ويوقروه ويسبحوه" كلهن بالياء; والباقون: بالتاء; على معنى: قل لهم: إنا أرسلناك، لتؤمنوا وقرأ وأبو عمرو علي بن أبي طالب، وابن السميفع: "ويعززوه" بزاءين . وقد ذكرنا في [الأعراف: 157] معنى "ويعزروه" عند قوله: وعزروه ونصروه .
قوله تعالى: ( ويوقروه ) أي: يعظموه ويبجلوه . واختار كثير من القراء الوقف هاهنا، لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده .
قوله تعالى: ( ويسبحوه ) هذه الهاء ترجع إلى الله عز وجل . والمراد بتسبيحه هاهنا: الصلاة له . قال المفسرون: والمراد بصلاة البكرة: الفجر، وبصلاة الأصيل: باقي الصلوات الخمس .
قوله تعالى: إن الذين يبايعونك يعني بيعة الرضوان بالحديبية . وعلى ماذا بايعوه؟ فيه قولان .
أحدهما: أنهم بايعوه على الموت، قاله عبادة بن الصامت .
والثاني: على أن لا يفروا، قاله ومعناهما متقارب، لأنه أراد: على أن لا تفروا ولو متم . وسميت بيعة، لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، وكان العقد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهم بايعوا الله عز وجل، لأنه ضمن لهم الجنة بوفائهم . جابر بن عبد الله .
يد الله فوق أيديهم فيه أربعة أقوال .
أحدها: يد الله في الوفاء فوق أيديهم . والثاني: يد الله في الثواب فوق أيديهم . والثالث: يد الله عليهم في المنة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة، ذكر هذه [ ص: 428 ] الأقوال . والرابع: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم، ذكره الزجاج ابن جرير، وابن كيسان .
قوله تعالى: فمن نكث أي: نقض ما عقده من هذه البيعة فإنما ينكث على نفسه أي: يرجع ذلك النقض عليه ومن أوفى بما عاهد عليه الله من البيعة ( فسنؤتيه ) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، عن وأبان "فسنؤتيه" بالنون . وقرأ عاصم: عاصم، ، وأبو عمرو وحمزة، بالياء والكسائي: أجرا عظيما وهو الجنة . قال فلم ينكث العهد منهم غير رجل واحد يقال له: ابن السائب: الجد بن قيس، وكان منافقا .