أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير . ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون . فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون .
ثم احتج على إحياء الموتى بقوله: أولم يروا . . . إلى آخر الآية . والرؤية هاهنا بمعنى العلم .
ولم يعي أي: لم يعجز عن ذلك; يقال: عي فلان بأمره، إذا لم يهتد له ولم يقدر عليه . قال : يقال: عييت بالأمر، إذا لم تعرف وجهه، وأعييت، إذا تعبت . الزجاج
[ ص: 392 ] قوله تعالى: بقادر قال أبو عبيدة الباء زائدة مؤكدة . وقال والأخفش: الفراء: العرب تدخل الباء مع الجحد، مثل قولك: ما أظنك بقائم، وهذا قول الكسائي، وقرأ والزجاج . يعقوب: "يقدر" بياء مفتوحة مكان الباء وسكون القاف ورفع الراء من غير ألف . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: كما صبر أولو العزم أي: ذوو الحزم والصبر; وفيهم عشرة أقوال .
أحدها: أنهم نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، رواه عن الضحاك وبه قال ابن عباس، مجاهد، وقتادة، وعطاء الخراساني، وابن السائب .
والثاني: نوح، وهود، وإبراهيم، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، قاله أبو العالية الرياحي .
والثالث: أنهم الذين لم تصبهم فتنة من الأنبياء، قاله الحسن .
والرابع: أنهم العرب من الأنبياء، قاله مجاهد، والشعبي .
والخامس: أنهم إبراهيم، وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى، ومحمد، صلى الله عليهم وسلم، قاله السدي
والسادس: أن منهم إسماعيل، ويعقوب، وأيوب، وليس منهم آدم، ولا يونس، ولا سليمان، قاله ابن جريج .
والسابع: أنهم الذين أمروا بالجهاد والقتال، قاله وحكي عن ابن السائب، السدي .
والثامن: أنهم جميع الرسل، فإن الله لم يبعث رسولا إلا كان من أولي العزم، قاله ابن زيد، واختاره وقال: "من" دخلت للتجنيس لا للتبعيض، كما تقول: قد رأيت الثياب من الخز والجباب من القز . ابن الأنباري،
[ ص: 393 ] والتاسع: أنهم الأنبياء الثمانية عشر المذكورون في سورة [الأنعام: 83 -86]، قاله الحسين بن الفضل .
والعاشر: أنهم جميع الأنبياء إلا يونس، حكاه الثعلبي .
قوله تعالى: ولا تستعجل لهم يعني العذاب . قال بعض المفسرين: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضجر بعض الضجر، وأحب أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه، فأمر بالصبر .
قوله تعالى: كأنهم يوم يرون ما يوعدون أي: من العذاب لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلا . وقيل: لأن مقدار مكثهم في الدنيا قليل في جنب مكثهم في عذاب الآخرة . وهاهنا تم الكلام . ثم قال: بلاغ أي: هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ عن الله إليكم .
وفي معنى وصف القرآن بالبلاغ قولان .
أحدهما: أن البلاغ بمعنى التبليغ .
والثاني: أن معناه: الكفاية، فيكون المعنى: ما أخبرناهم به لهم فيه كفاية وغنى .
وذكر وجها آخر، وهو أن المعنى: لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، ذلك لبث بلاغ، أي: ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى آجالهم، ثم حذفت "ذلك لبث" اكتفاء بدلالة ما ذكر في الكلام عليها . ابن جرير
[ ص: 394 ] وقرأ أبو العالية، وأبو عمران: "بلغ" بكسر اللام وتشديدها وسكون الغين من غير ألف .
قوله تعالى: فهل يهلك وقرأ أبو رزين، وأبو المتوكل، وابن محيصن: "يهلك" بفتح الياء وكسر اللام، أي: عند رؤية العذاب إلا القوم الفاسقون الخارجون عن أمر الله عز وجل؟! .