والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين . أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن [ ص: 380 ] والإنس إنهم كانوا خاسرين . ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون . ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون .
قوله تعالى: والذي قال لوالديه أف لكما قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، عن وأبو بكر عاصم: أف لكما بالخفض من غير تنوين . وقرأ ابن كثير . بفتح الفاء . وقرأ وابن عامر: نافع، وحفص عن "أف" بالخفض والتنوين . وقرأ عاصم: "أف" بتشديد الفاء مرفوعة منونة . وقرأ ابن يعمر: حميد، والجحدري : "أفا" بتشديد الفاء وبالنصب والتنوين . وقرأ "أف" بتشديد الفاء وبالرفع من غير تنوين . وقرأ عمرو بن دينار: أبو المتوكل، [وعكرمة]، "أف لكما" بإسكان الفاء خفيفة . وقرأ وأبو رجاء: أبو العالية، وأبو عمران: "أفي" بتشديد الفاء وياء ساكنة ممالة . وروي عن أنها نزلت في ابن عباس قبل إسلامه، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام، وهو يأبى، وعلى هذا جمهور المفسرين . وقد روي عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنها كانت تنكر أن تكون الآية نزلت في عائشة عبد الرحمن، وتحلف على ذلك وتقول: لوشئت لسميت الذي نزلت فيه . قال : وقول من قال: إنها نزلت في الزجاج عبد الرحمن، باطل بقوله: أولئك الذين حق عليهم القول ، فأعلم الله أن هؤلاء لا يؤمنون، وعبد الرحمن مؤمن; والتفسير الصحيح أنا نزلت في الكافر العاق . وروي [عن] أنها نزلت في مجاهد عبد الله بن أبي بكر، وعن [ ص: 381 ] الحسن [أنها] نزلت في جماعة من كفار قريش قالوا ذلك لآبائهم .
قوله تعالى: وقد خلت القرون من قبلي فيه قولان . أحدهما: مضت القرون فلم يرجع منهم أحد، قاله والثاني: مضت القرون مكذبة بهذا، قاله مقاتل . أبو سليمان الدمشقي .
قوله تعالى: وهما يستغيثان الله أي: يدعوان الله له بالهدى، ويقولان له: ويلك آمن أي: صدق بالبعث، فيقول ما هذا الذي تقولان إلا أساطير الأولين وقد سبق شرحها [الأنعام: 25] .
قوله تعالى: أولئك يعنى الكفار الذين حق عليهم القول أي: وجب عليهم قضاء الله أنهم من أهل النار في أمم أي: مع أمم . فذكر الله تعالى في الآيتين قبل هذه من بر والديه وعمل بوصية الله عز وجل، ثم ذكر من لم يعمل بالوصية ولم يطع ربه ولا والديه، إنهم كانوا خاسرين وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: "أنهم" بفتح الهمزة .
ثم قال: ولكل درجات مما عملوا أي: منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر، فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة، وأهل النار في [ ص: 382 ] العذاب وليوفيهم أعمالهم قرأ وعاصم، ابن كثير، : "وليوفيهم" بالياء، وقرأ الباقون: بالنون; أي: جزاء أعمالهم . وأبو عمرو
قوله تعالى: ويوم يعرض المعنى: واذكر لهم يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم أي: ويقال لهم: أذهبتم، قرأ ["آذهبتم" بهمزة مطولة . وقرأ] ابن كثير: "أأذهبتم" بهمزتين . وقرأ ابن عامر: نافع، وعاصم، ، وأبو عمرو وحمزة، "أذهبتم" على الخبر، وهو توبيخ لهم . قال والكسائي: الفراء والزجاج: [العرب] توبخ بالألف وبغير الألف، فتقول: أذهبت وفعلت كذا؟! و: ذهبت ففعلت؟! قال المفسرون: والمراد بطيباتهم: ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها . ولما وبخهم الله بذلك، آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم . وقد روي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على خصفة وبعضه على التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا، فقال: يا رسول الله أنت نبي الله وصفوته، عمر بن الخطاب وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير؟! فقال صلى الله عليه وسلم: "يا إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم، وهي وشيكة الانقطاع، وإنا أخرت لنا طيباتنا" . عمر، وروى عن قال: رأى جابر بن عبد الله لحما معلقا في يدي، فقال: ما هذا يا عمر بن الخطاب فقلت: اشتهيت لحما فاشتريته، فقال: أو كلما اشتهيت [ ص: 383 ] اشتريت يا جابر؟ أما تخاف هذه الآية: جابر؟! "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" . وروي عن أنه قيل له: لو أمرت أن نصنع لك طعاما ألين من هذا، فقال: إني سمعت الله عير أقواما فقال: عمر "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا" .
قوله تعالى: تستكبرون في الأرض أي: تتكبرون عن عبادة الله والإيمان به .