قوله تعالى: وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا قال الزمر: جماعات في تفرقة بعضهم على إثر بعض، واحدها: زمرة . أبو عبيدة:
قوله تعالى: رسل منكم أي: من أنفسكم . و كلمة العذاب هي قوله: لأملأن جهنم [الأعراف: 18] .
قوله تعالى: فتحت أبوابها قرأ ابن كثير، ونافع، ، وأبو عمرو "فتحت" "وفتحت" مشددتين; وقرأ وابن عامر: عاصم، وحمزة، بالتخفيف . والكسائي:
وفي هذه الواو ثلاثة أقوال .
أحدها: أنها زائدة، روي عن جماعة من اللغويين منهم الفراء .
والثاني: أنها واو الحال; فالمعنى: جاؤوها وقد فتحت أبوابها، فدخلت [ ص: 200 ] الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتحة قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه .
أحدها: أن أهل الجنة جاؤوها وقد فتحت أبوابها ليستعجلوا السرور والفرح إذا رأوا الأبواب مفتحة، وأهل النار يأتونها وأبوابها مغلقة ليكون أشد لحرها، ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا من أصحابنا .
والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل، فصين أهل الجنة عنه، وجعل في حق أهل النار، ذكره لي بعض مشايخنا .
والثالث: أنه لو وجد أهل الجنة بابها مغلقا لأثر انتظار فتحه في كمال الكرم، ومن كمال الكرم غلق باب النار إلى حين مجيء أهلها، لأن الكريم يعجل المثوبة، ويؤخر العقوبة، وقد قال عز وجل: ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم [النساء: 147]; قال المصنف: هذا وجه خطر لي .
والقول الثالث: أن الواو زيدت، لأن أبواب الجنة ثمانية، وأبواب النار سبعة، والعرب تعطف في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف: 22]، حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي .
واختلف العلماء أين جواب هذه الآية على ثلاثة أقوال .
أحدها: أن الجواب محذوف، قاله أبو عبيدة، والمبرد، في آخرين . وفي تقدير هذا المحذوف قولان . أحدهما: أن تقديره: والزجاج حتى إذا جاءوها . . . . . إلى آخر الآية . . . . سعدوا، قاله والثاني: المبرد . حتى إذا جاءوها إلى قوله: [ ص: 201 ] فادخلوها خالدين . . . . دخلوها، وإنما حذف، لأن في الكلام دليلا عليه، وهذا اختيار الزجاج .
والقول الثاني: أن الجواب: قال لهم خزنتها، والواو زائدة، ذكره قال: ومثله في الشعر: الأخفش،
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن إلا كلمة حالم بخيال
أي: فإذا ذلك .
والثالث: الجواب: حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها، والواو زائدة، حكاه عن قوم من أهل اللغة . الزجاج
وفي قوله: طبتم خمسة أقوال . أحدها: أنهم إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فلا يبقى في بطونهم أذى ولا قذى إلا خرج، ويغتسلون من الأخرى، فلا تغبر جلودهم ولا تشعث أشعارهم أبدا، حتى إذا انتهوا إلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها: "سلام عليكم طبتم"، رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه، وقد ذكرنا في [الأعراف: 44] نحوه عن والثاني: طاب لكم [ ص: 202 ] المقام، قاله ابن عباس . والثالث: طبتم بطاعة الله، قاله ابن عباس . والرابع: أنهم طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة، واقتص من بعضهم لبعض، فلما هذبوا قالت لهم الخزنة: طبتم، قاله مجاهد . والخامس: كنتم طيبين في الدنيا، قاله قتادة . . الزجاج
فلما دخلوها قالوا: الحمد لله الذي صدقنا وعده بالجنة وأورثنا الأرض أي أرض الجنة ( نتبوأ منها حيث نشاء ) أي: نتخذ فيها من المنازل ما نشاء . وحكى أن أمة أبو سليمان الدمشقي محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون الجنة قبل الأمم، فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأمم بعدهم فيها فلذلك قالوا: "نتبوأ من الجنة حيث نشاء"; يقول الله عز وجل: فنعم أجر العاملين أي: نعم ثواب المطيعين في الدنيا الجنة .
قوله تعالى: وترى الملائكة حافين من حول العرش أي: محدقين به، يقال: حف القوم بفلان: إذا أحدقوا به; ودخلت "من" للتوكيد، كقولك: ما جاءني من أحد .
يسبحون بحمد ربهم قال السدي، بأمر ربهم . وقال بعضهم: يسبحون بالحمد له حيث دخل الموحدون الجنة . وقال ومقاتل: التسبيح هاهنا بمعنى الصلاة . ابن جرير:
قوله تعالى: وقضي بينهم أي: بين الخلائق بالحق أي: بالعدل وقيل الحمد لله رب العالمين هذا قول أهل الجنة شكرا لله تعالى على إنعامه .
قال المفسرون: ابتدأ الله ذكر الخلق بالحمد فقال: "الحمد لله الذي [ ص: 203 ] خلق السماوات والأرض" [الأنعام: 1] وختم غاية الأمر -وهو استقرار الفريقين في منازلهم- بالحمد لله بهذه الآية، فنبه على تحميده في بداية كل أمر وخاتمته .