قوله تعالى: هذا المعنى: هذا الذي ذكرناه وإن للطاغين يعني الكافرين لشر مآب ، ثم بين ذلك بقوله: جهنم والمهاد: الفراش . هذا فليذوقوه قال في الآية تقديم وتأخير، تقديره: هذا حميم وغساق فليذوقوه; وإن شئت جعلت الحميم مستأنفا، كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثم قلت: منه حميم، ومنه غساق، كقول الشاعر: الفراء:
حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس وغودر البقل ملوي ومحصود
فأما الحميم، فهو الماء الحار . وأما الغساق، ففيه لغتان، قرأ حمزة، [ ص: 150 ] والكسائي، وخلف، وحفص: بالتشديد، وكذلك في [عم يتساءلون: 25]، تابعهم المفضل في عم يتساءلون ، وقرأ الباقون بالتخفيف وفي الغساق أربعة أقوال .
أحدها: الزمهرير، رواه ابن أبي طلحة عن وقال ابن عباس . الغساق لا يستطيعون أن يذوقوه من برده . مجاهد:
والثاني: أنه ما يجري من صديد أهل النار، رواه عن الضحاك وبه قال ابن عباس، عطية، وابن زيد . وقتادة،
والثالث: أن الغساق: عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غيرها، فيستنقع، فيؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام، ويجر لحمه جر الرجل ثوبه، قاله كعب .
والرابع: أنه ما يسيل من دموعهم، قاله قال السدي . الغساق: ما سال، يقال: غسقت العين والجرح . وقرأت على شيخنا أبو عبيدة: أبي منصور اللغوي عن قال: لم يكن ابن قتيبة [يذهب] إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة أبو عبيدة العرب، وكان يقول: هو اتفاق يقع بين اللغتين، وكان [غيره] يزعم أن الغساق: البارد المنتن بلسان الترك . وقيل: فعال، من غسق يغسق; فعلى هذا يكون عربيا . وقيل في معناه: إنه الشديد البرد، يحرق من برده، وقيل: هو ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد .
قوله تعالى: وآخر قرأ والمفضل: "وأخر" بضم الهمزة من غير مد، فجمعا لأجل نعته بالأزواج، وهي جمع . وقرأ الباقون بفتح الألف ومده على التوحيد، واحتجوا بأن أبو عمرو، العرب تنعت الاسم إذا كان فعلا بالقليل [ ص: 151 ] والكثير; قال تقول: عذاب فلان ضروب شتى، وضربان مختلفان; وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم والغساق والآخر، فهن ثلاثة، والأشبه أن تجعله صفة لواحد، وقال الفراء: : من قرأ "وآخر" بالمد، فالمعنى: وعذاب آخر الزجاج من شكله أي: مثل الأول . ومن قرأ: "وأخر"، فالمعنى: وأنواع أخر، لأن قوله: أزواج بمعنى أنواع . وقال : "من شكله" أي: من نحوه، "أزواج" أي: أصناف . وقال ابن قتيبة "من شكله" أي: من نحو الحميم . قال ابن جرير: في قوله: "وآخر من شكله": هو الزمهرير . وقال ابن مسعود لما ذكر الله تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا، قال: "وآخر من شكله" أي: وآخر لم ير في الدنيا . الحسن:
قوله تعالى: هذا فوج هذا قول الزبانية للقادة المتقدمين في الكفر إذا جاؤوهم بالأتباع . وقيل: بل هو قول الملائكة لأهل النار كلما جاؤوهم بأمة بعد أمة . والفوج: الجماعة من الناس، وجمعه: أفواج . والمقتحم: الداخل في الشيء رميا بنفسه . قال إنهم يضربون بالمقامع، فيلقون أنفسهم في النار ويثبون فيها خوفا من تلك المقامع . فلما قالت [ ص: 152 ] الملائكة ذلك لأهل النار، قالوا: لا مرحبا بهم، فاتصل الكلام كأنه قول واحد، وإنما الأول من قول الملائكة، والثاني من قول أهل النار; وقد بينا مثل هذا في قوله: ابن السائب: ليعلم أني لم أخنه بالغيب [يوسف: 52] . والرحب والرحب: السعة . والمعنى: لا اتسعت بهم مساكنهم . قال تقول أبو عبيدة: العرب للرجل: لا مرحبا [بك] أي: لا رحبت عليك الأرض . وقال : معنى قولهم: "مرحبا وأهلا" أي: أتيت رحبا، أي: سعة، وأهلا، أي: أتيت أهلا لا غرباء، فائنس ولا تستوحش، وسهلا، أي: أتيت سهلا لا حزنا، وهو في مذهب الدعاء، كما تقول، لقيت خيرا . قال ابن قتيبة : و "مرحبا" منصوب بقوله: رحبت بلادك مرحبا، وصادفت مرحبا، فأدخلت "لا" على ذلك المعنى . الزجاج
قوله تعالى" إنهم صالو النار أي: داخلوها كما دخلناها، ومقاسون حرها . فأجابهم القوم، فـ قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا . إن قلنا: إن هذا قول الأتباع للرؤساء، فالمعنى: أنتم زينتم لنا الكفر; [وإن قلنا: إنه قول الأمة المتأخرة للأمة المتقدمة، فالمعنى: أنتم شرعتم لنا الكفر] وبدأتم به قبلنا، فدخلتم النار قبلنا فبئس القرار أي: بئس المستقر والمنزل .
قالوا ربنا من قدم لنا هذا أي: من سنه وشرعه فزده عذابا ضعفا في النار وقد شرحناه في [الأعراف: 38] . وفي القائلين لهذا قولان . أحدهما: أنه قول جميع أهل النار، قاله والثاني: قول الأتباع . قاله ابن السائب . مقاتل .
قوله تعالى: وقالوا يعني أهل النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار قال المفسرون: إذا دخلوا النار، نظروا فلم يروا من كان [ ص: 153 ] يخالفهم من المؤمنين، فيقولون ذلك . قال يقول مجاهد: أبو جهل في النار: أين أين صهيب، أين عمار، أين خباب، بلال؟!
قوله تعالى: أتخذناهم سخريا قرأ أبو عمرو، وحمزة، "من الأشرار اتخذناهم" بالوصل على الخبر; أي: [إنا] اتخذناهم، وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة . وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام، وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة . وقال الفراء: وهذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ، والمعنى أنهم يوبخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين . و "سخريا" يقرأ بضم السين وكسرها . وقد شرحناها في آخر سورة [المؤمنين: 110] والكسائي: أم زاغت عنهم الأبصار أي: وهم معنا في النار ولا نراهم؟! وقال "أم" هاهنا بمعنى "بل" . أبو عبيدة:
قوله تعالى: إن ذلك لحق قال : [أي]: إن الذي وصفناه عنهم لحق . ثم بين ما هو، فقال: هو الزجاج تخاصم أهل النار وقرأ أبو الجوزاء، وأبو الشعثاء، وأبو عمران، "تخاصم" برفع الصاد وفتح الميم، وكسر اللام من "أهل" وقرأ وابن أبي عبلة: أبو مجلز، وأبو العالية، وأبو المتوكل، وابن السميفع: "تخاصم أهل" بفتح الصاد والميم ورفع اللام .