ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون . فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين .
قوله تعالى: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أعلم أن الأنبياء قد ابتلوا قبله، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشرك، فإنهم وإن أمهلوا، فقد أمهل قوم نوح أكثر ثم أخذوا .
قوله تعالى: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما اختلفوا في عمر نوح على خمسة أقوال .
أحدها: بعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس .
والثاني: أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وعاش بعد ذلك سبعين عاما، فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار .
[ ص: 262 ] والثالث : أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد .
والرابع : أنه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، [ودعاهم ثلاثمائة سنة] ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله وقال قتادة . بعث لخمسين سنة . وهب بن منبه:
والخامس: أن هذه الآية بينت مقدار عمره كله حكاه الماوردي .
فإن قيل: ما فائدة قوله: إلا خمسين عاما ، فهلا قال: تسعمائة وخمسين؟
فالجواب: أن المراد به تكثير العدد، وذكر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد .
قال تأويل الاستثناء في كلام الزجاج: العرب: التوكيد، تقول: جاءني إخوتك إلا زيدا، فتؤكد أن الجماعة جاؤوا، وتنقص زيدا . واستثناء نصف الشيء قبيح جدا لا تتكلم به العرب، وإنما تتكلم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقص قيراطا، فلو قلت: ينقص نصفه، كان الأولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا قليل من كثير .
قوله تعالى: فأخذهم الطوفان فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: الموت، روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: عائشة فأخذهم الطوفان قال: الموت .
[ ص: 263 ] والثاني: المطر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، قال وقتادة . : هو المطر الشديد . ابن قتيبة
والثالث : الغرق، قاله الضحاك .
قال الطوفان من كل شيء: ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كلها، فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة: طوفان، وكذلك القتل الذريع، والموت الجارف: طوفان . الزجاج:
قوله تعالى: وهم ظالمون قال كافرون . ابن عباس:
قوله تعالى: وجعلناها يعني السفينة، قال أبقاها الله آية للناس بأعلى الجودي . قال قتادة: وجائز أن يكون أراد: الفعلة التي فعلها بهم من الغرق (آية)، أي: عبرة أبو سليمان الدمشقي: للعالمين [بعدهم] .