[ ص: 253 ] سورة العنكبوت
فصل في نزولها
روى عن العوفي أنها مكية، وبه قال ابن عباس الحسن، وقتادة، وعطاء، وجابر بن زيد، وفي رواية عن ومقاتل . أنها مدنية . وقال ابن عباس هبة الله [ابن سلامة] المفسر: نزل من أولها إلى رأس العشر بمكة، وباقيها بالمدينة . وقال غيره عكس هذا: نزل العشر بالمدينة، وباقيها بمكة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الم . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون
قوله تعالى: الم أحسب الناس أن يتركوا في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
[ ص: 254 ] أحدها: أنه لما أمر بالهجرة، كتب المسلمون إلى إخوانهم بمكة أنه لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردوهم، فأنزل الله عز وجل من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله عز وجل فيهم: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا [النحل: 110]، هذا قول الحسن، والشعبي .
والثاني: أنها نزلت في إذ كان يعذب في الله عز وجل، قاله عمار بن ياسر عبد الله بن عبيد بن عمير .
والثالث : أنها نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب حين قتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية .
قوله تعالى: أحسب الناس قال يريد بالناس: الذين آمنوا ابن عباس: بمكة، كعياش بن أبي ربيعة، وعمار بن ياسر، وسلمة بن هشام، وغيرهم .
قال لفظ الآية استخبار، ومعناه معنى التقرير والتوبيخ; والمعنى: أحسب الناس أن يتركوا بأن يقولوا: آمنا، ولأن يقولوا: آمنا، أي: أحسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون، فقط، ولا يمتحنون بما يبين [ ص: 255 ] حقيقة إيمانهم، الزجاج: وهم لا يفتنون أي: لا يختبرون بما يعلم به صدق إيمانهم من كذبه .
وللمفسرين فيه قولان . أحدهما: لا يفتنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله . والثاني: لا يبتلون بالأوامر والنواهي . مجاهد
قوله تعالى: ولقد فتنا الذين من قبلهم أي: ابتليناهم واختبرناهم، فليعلمن الله فيه ثلاثة أقوال .
أحدها: فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم عند البلاء إذا صبروا لقضائه وليرين الكاذبين في إيمانهم إذا شكوا عند البلاء، قاله مقاتل .
والثاني: فليميزن، لأنه [قد] علم ذلك من قبل، قاله أبو عبيدة .
والثالث : فليظهرن ذلك حتى يوجد معلوما، حكاه الثعلبي .
وقرأ علي بن أبي طالب، وجعفر بن محمد: " فليعلمن الله " " وليعلمن الكاذبين " " وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " [العنكبوت: 11] بضم الياء وكسر اللام .
قوله تعالى: أم حسب أي: أيحسب الذين يعملون السيئات [ ص: 256 ] يعني الشرك أن يسبقونا أي: يفوتونا ويعجزونا ساء ما يحكمون أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنوا ذلك . قال عنى بهم ابن عباس: الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم .