قوله تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض لما أمر قارون البغي [ ص: 245 ] بقذف موسى على ما سبق شرحه [القصص: 76] غضب موسى فدعا عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها ; فقال موسى : يا أرض خذيه ، فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى ذلك ناشده بالرحم ، فقال : خذيه ، فأخذته حتى غيبت قدميه ; فما زال يقول : خذيه ، حتى غيبته ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ما أفظك ، وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته . قال : فخسفت به الأرض إلى الأرض السفلى . وقال ابن عباس . إنه يخسف به كل يوم قامة ، فتبلغ به الأرض السفلى يوم القيامة . وقال سمرة بن جندب : فلما هلك مقاتل قارون قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره ، فخسف الله بداره وماله بعده بثلاثة أيام .
قوله تعالى: ينصرونه من دون الله أي : يمنعونه من الله وما كان من المنتصرين أي : من الممتنعين مما نزل به . ثم أعلمنا أن المتمنين مكانه ندموا على ذلك التمني بالآية التي تلي هذه .
[ ص: 246 ] وقوله : لخسف بنا الأكثرون على ضم الخاء وكسر السين . وقرأ يعقوب ، والوليد عن ، ابن عامر وحفص ، عن وأبان : بفتح الخاء والسين . عاصم
فأما قوله : " ويك " فقال : معناه : ألم تر ، وكذلك قال ابن عباس ، أبو عبيدة . وقال والكسائي : " ويك أن " في كلام الفراء العرب تقرير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ، أنشدني بعضهم :
ويك أن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال : في قوله " ابن الأنباري ويكأنه " ثلاثة أوجه .
إن شئت قلت : " ويك " حرف ، و " أنه " حرف ; والمعنى : ألم تر أنه ، والدليل على هذا قول الشاعر :
سألتاني الطلاق أن رأتاني قل مالي قد جئتماني بنكر
ويك أن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
والثاني : أن يكون " ويك " حرفا ، و " أنه " حرفا . والمعنى : ويلك أعلم أنه ، فحذفت اللام ، كما قالوا : قم لا أبا لك ، يريدون : لا أبا لك ، وأنشدوا :
أبالموت الذي لا بد أني ملاق لا أباك تخوفيني
أراد لا أبا لك فحذف اللام .
[ ص: 247 ] والثالث : أن يكون " وي " حرفا ، و " كأنه " حرفا ، فيكون معنى " وي " التعجب ، كما تقول : وي لم فعلت كذا كذا ، ويكون معنى " كأنه " : أظنه وأعلمه ، كما تقول في الكلام : كأنك بالفرج قد أقبل ; فمعناه : أظن الفرج مقبلا . وإنما وصلوا الياء بالكاف في قوله : ويكأنه لأن الكلام بهما كثر ، كما جعلوا " يا ابن أم " في المصحف حرفا واحدا ، وهما حرفان [طه : 94] . وكان جماعة منهم يعقوب ، يقفون على " ويك " في الحرفين ، ويبتدؤون " أن " و " أنه " في الموضعين . وذكر عن الخليل أنه قال : " وي " مفصولة من " كأن " ، وذلك أن القوم تندموا فقالوا : " وي " متندمين على ما سلف منهم ، وكل من ندم فأظهر ندامته قال : وي . وحكى الزجاج عن بعض العلماء أنه قال : معنى " ويكأن " : رحمة لك ، بلغة ابن قتيبة حمير .
قوله تعالى: لولا أن من الله علينا أي : بالرحمة والمعافاة والإيمان لخسف بنا .