[ ص: 231 ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين . وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين
قوله تعالى: إنك لا تهدي من أحببت قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين [التوبة : 113] ، وقد روى فيما انفرد به عن مسلم من حديث البخاري قال : أبي هريرة قريش ، يقلن : إنما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك ، فأنزل الله عز وجل : إنك لا تهدي من أحببت . قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : " قل : لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة " ، فقال : لولا أن تعيرني نساء : أجمع المفسرون أنها نزلت في الزجاج أبي طالب .
[ ص: 232 ] وفي قوله : من أحببت قولان .
أحدهما : من أحببت هدايته . والثاني : من أحببته لقرابته .
ولكن الله يهدي من يشاء أي : يرشد لدينه من يشاء وهو أعلم بالمهتدين أي : من قدر له الهدى .
قوله تعالى: وقالوا إن نتبع الهدى معك قال في رواية ابن عباس : هم ناس من العوفي قريش قالوا ذلك . وقال في رواية : أن ابن أبي مليكة الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك . وذكر أن مقاتل الحارث بن عامر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ، ولكن يمنعنا أن نتبع [الهدى] معك مخافة أن تتخطفنا العرب من أرضنا ، يعنون مكة . ومعنى الآية : إن اتبعناك على دينك خفنا العرب لمخالفتنا إياها . والتخطف : الانتزاع بسرعة ; فرد الله عليهم قولهم ، فقال : أولم نمكن لهم حرما أي : أو لم نسكنهم [ ص: 233 ] حرما ونجعله مكانا لهم ، ومعنى آمنا :ذو أمن يأمن فيه الناس ، وذلك أن العرب كان يغير بعضها على بعض ، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسبي والغارة ، أي : فكيف يخافون إذا أسلموا وهم في حرم آمن؟! يجبى [قرأ : " تجبي " بالتاء] ، أي : تجمع إليه وتحمل من [كل] النواحي الثمرات ، نافع رزقا من لدنا أي : من عندنا ولكن أكثرهم يعني أهل مكة لا يعلمون أن الله هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه . ومعنى الآية : إذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبدون غيري ، فكيف تخافون إذا عبدتموني وآمنتم بي؟! ثم خوفهم عذاب الأمم الخالية فقال : وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها قال : " معيشتها " منصوبة بإسقاط " في " ، والمعنى : بطرت في معيشتها ، والبطر : الطغيان في النعمة . قال الزجاج : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام . عطاء
قوله تعالى: فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا قال : لم يسكنها إلا المسافرون ومار الطريق يوما أو ساعة ، والمعنى : لم تسكن من بعدهم إلا سكونا قليلا ابن عباس وكنا نحن الوارثين أي : لم يخلفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم ، فبقيت خرابا غير مسكونة .