قوله تعالى: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها : ما رواه البخاري من حديث ومسلم ، قال : ابن مسعود والذين لا يدعون مع الله إلها آخر الآية . سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك " ، قلت: [ ص: 104 ] ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تعالى تصديقها
والثاني : غفورا رحيما أخرجه أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة ، فنزلت هذه الآية ، إلى قوله : من حديث مسلم عن سعيد بن جبير . ابن عباس
والثالث : أن وحشيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد أتيتك مستجيرا فأجرني حتى أسمع كلام الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد كنت أحب أن أراك على غير جوار ، فأما إذا أتيتني مستجيرا فأنت في جواري حتى تسمع كلام الله ، قال : فإني أشركت بالله وقتلت التي حرم الله وزنيت ، فهل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية ، فتلاها عليه ، فقال : أرى شرطا ، فلعلي لا أعمل صالحا ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء:48] ، فدعاه فتلاها عليه ، فقال : ولعلي ممن لا يشاء [الله] ، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله ، فنزلت : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله الآية [الزمر : 53] ، فقال : نعم ، الآن لا أرى شرطا ، فأسلم ، رواه عن عطاء ; وهذا ابن عباس وحشي هو قاتل ; وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر ، وهو بعيد الصحة ، والمحفوظ في إسلامه غير هذا ، وأنه قدم [ ص: 105 ] مع رسل حمزة الطائف فأسلم من غير اشتراط . وقوله : يدعون معناه : يعبدون . وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في (الأنعام : 151) .
قوله تعالى: يلق أثاما وقرأ ، سعيد بن جبير : " يلق " برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة . قال وأبو المتوكل : يلق جزاء . وقال ابن عباس ، مجاهد : وهو واد في جهنم . وقال وعكرمة : يلق عقوبة ، وأنشد : ابن قتيبة
[جزى الله ابن عروة حيث أمسى عقوقا] والعقوق له أثام؟؟؟
قال : وقوله : الزجاج يلق أثاما جزما على الجزاء . قال : يقال : قد لقي أثام ذلك ، أي : جزاء ذلك ، أبو عمرو الشيباني وسيبويه يذهبان إلى أن معناه : يلق جزاء الأثام . قال والخليل : وإنما جزم " يضاعف له العذاب " لأن مضاعفة العذاب لقي الآثام ، فلذلك جزمت ، كما قال الشاعر : سيبويهمتى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
لأن الإتيان هو الإلمام ، فجزم " تلمم " لأنه بمعنى " تأتي . وقرأ : " يضعف " ، وهو جيد بالغ ; تقول : ضاعفت الشيء وضعفته . وقرأ الحسن : " يضاعف " بالرفع على تفسير " يلق أثاما " كأن قائلا قال : ما لقي الأثام؟ فقيل : يضاعف للآثم العذاب . وقرأ عاصم ، أبو المتوكل ، وقتادة وأبو حيوة : " يضعف " برفع الياء وسكون الضاد وفتح العين خفيفة من غير ألف . وقرأ ، أبو حصين الأسدي والعمري عن أبي جعفر مثله ، إلا أن العين مكسورة ، و " العذاب " بالنصب .
[ ص: 106 ] قوله تعالى: ويخلد وقرأ أبو حيوة ، ، وقتادة : " ويخلد " برفع الياء وسكون الخاء وفتح اللام مخففة . وقرأ والأعمش عاصم الجحدري ، ، وابن يعمر مثله ، إلا أنهم شددوا اللام . وأبو المتوكل
فصل
ولعلماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية قولان .
أحدهما : أنها منسوخة ; وفي ناسخها ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم [النساء : 93] ، قاله . وكان يقول " هذه مكية ، والتي في " النساء " مدنية . والثاني : أنها نسخت بقوله : ابن عباس إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك الآية [النساء : 48] . والثالث : أن الأولى نسخت بالثانية ، وهي قوله : إلا من تاب .
والقول الثاني : أنها محكمة ; والخلود إنما كان لانضمام الشرك إلى القتل والزنا . وفساد القول الأول ظاهر ، لأن القتل لا يوجب تخليدا عند الأكثرين ; وقد بيناه في سورة (النساء : 93) ، ، والاستثناء ليس بنسخ . والشرك لا يغفر إذا مات المشرك عليه
قوله تعالى: إلا من تاب قال : ابن عباس والذين لا يدعون مع الله إلها آخر " ثم نزلت " إلا من تاب " فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح بشيء فرحه بها ، وبـ إنا فتحنا لك فتحا مبينا [الفتح : 1] قرأنا على عهد رسول الله سنتين . "
[ ص: 107 ] قوله تعالى: فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات اختلفوا في كيفية هذا التبديل وفي زمان كونه ، فقال : يبدل الله شركهم إيمانا وقتلهم إمساكا ، وزناهم إحصانا ; وهذا يدل على أنه يكون في الدنيا ، وممن ذهب إلى هذا المعنى ابن عباس ، سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك . والثاني أن هذا يكون في الآخرة ، قاله وابن زيد رضي الله عنه ، سلمان ، وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين .
وقال : يبدل الله سيئات المؤمن إذا غفرها له حسنات ، حتى إن العبد يتمنى أن تكون سيئاته أكثر مما هي . وعن عمرو بن ميمون كالقولين . وروي عن الحسن أنه قال : ود قوم يوم القيامة أنهم كانوا في الدنيا استكثروا من الذنوب ; فقيل : من هم؟ قال : هم الذين قال الله تعالى فيهم : الحسن فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ، ويؤكد هذا القول حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أبي ذر " ، أخرجه يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، فتعرض عليه صغار ذنوبه وتنحى عنه كبارها ، فيقال : عملت يوم كذا ، كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر ، وهو مشفق من الكبار ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة في " صحيحه " . مسلم