قوله تعالى : " والبدن " وقرأ الحسن برفع الدال . قال وابن يعمر : يقال : بدن وبدن ، والتخفيف أجود وأكثر ; لأن كل جمع كان واحده على ( فعلة ) ، ثم ضم أول جمعه خفف ، مثل : أكمة وأكم ، وأجمة وأجم ، وخشبة وخشب . وقال الفراء : " البدن " منصوبة بفعل مضمر يفسره الذي ظهر ، والمعنى وجعلنا البدن . وإن شئت رفعتها على الاستئناف ، والنصب أحسن ، ويقال : بدن وبدن وبدنة ، مثل قولك : ثمر وثمر وثمرة ، وإنما سميت بدنة لأنها تبدن ; أي : تسمن . [ ص: 432 ] الزجاج
وللمفسرين في البدن قولان :
أحدهما : أنها الإبل والبقر ، قاله . عطاء
والثاني : الإبل خاصة ، حكاه . وقال : الأول قول أكثر فقهاء الأمصار . قال الزجاج : البدنة : اسم يختص الإبل في اللغة ، والبقرة تقوم مقامها في الحكم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة . القاضي أبو يعلى
قوله تعالى : " جعلناها لكم من شعائر الله " ; أي : جعلنا لكم فيها عبادة لله ، من سوقها إلى البيت ، وتقليدها ، وإشعارها ، ونحرها ، والإطعام منها . " لكم فيها خير " وهو النفع في الدنيا والأجر في الآخرة ، " فاذكروا اسم الله عليها " ; أي : على نحرها ، " صواف " وقرأ ، ابن مسعود ، وابن عباس : ( صوافن ) بالنون . وقرأ وقتادة ، الحسن وأبو مجلز ، ، وأبو العالية ، والضحاك : ( صوافي ) بالياء . قال وابن يعمر : " صواف " منصوبة على الحال ، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف ; أي : قد صفت قوائمها ، والمعنى : اذكروا اسم الله عليها في حال نحرها ، والبعير ينحر قائما ، وهذه الآية تدل على ذلك . ومن قرأ : ( صوافن ) فالصافن : التي تقوم على ثلاث ، والبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه ، فهو الصافن ، والجميع صوافن . هذا ومن قرأ : ( صوافي ) بالياء وبالفتح بغير تنوين ، فتفسيره : خوالص ; أي : خالصة لله لا تشركوا به في التسمية على نحرها أحدا . " الزجاج فإذا وجبت جنوبها " ; أي : إذا سقطت إلى الأرض ، يقال : وجب الحائط وجبة : [ ص: 433 ] إذا سقط ، ووجب القلب وجيبا : إذا تحرك من فزع . واعلم أن سنة ، والمراد بوقوعها على جنوبها : موتها ، والأمر بالأكل منها أمر إباحة ، وهذا في الأضاحي . نحرها قياما
قوله تعالى : " وأطعموا القانع والمعتر " وقرأ : ( والمعتر ) بكسر الراء خفيفة . وفيهما ستة أقوال : الحسن
أحدها : أن القانع : الذي يسأل ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل ، رواه عن بكر بن عبد الله ، وبه قال ابن عباس ، واختاره سعيد بن جبير . الفراء
والثاني : أن القانع : المتعفف ، والمعتز : السائل ، رواه علي بن أبي طلحة عن ، وبه قال ابن عباس ، قتادة ، وعن والنخعي كالقولين . الحسن
والثالث : أن القانع : المستغني بما أعطيته وهو في بيته ، والمعتر : الذي يتعرض لك ويلم بك ولا يسأل ، رواه عن العوفي . وقال ابن عباس : القانع : جارك الذي يقنع بما أعطيته ، والمعتر : الذي يتعرض ولا يسأل ، وهذا مذهب مجاهد . فعلى هذا يكون معنى القانع : أن يقنع بما أعطي . ومن قال : هو المتعفف ، قال : هو القانع بما عنده . القرظي
والرابع : القانع : أهل مكة ، والمعتر : الذي يعتر بهم من غير أهل مكة ، رواه عن خصيف . مجاهد
والخامس : القانع : الجار وإن كان غنيا ، والمعتر : الذي يعتر بك ، رواه عن ليث . مجاهد
والسادس : القانع : المسكين السائل ، والمعتر : الصديق الزائر ، قاله . قال زيد بن أسلم : يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، وقنع يقنع [ ص: 434 ] قناعة : إذا رضي ، ويقال في المعتر : اعترني واعتراني وعراني . وقال ابن قتيبة : مذهب أهل اللغة : أن القانع : السائل ، يقال : قنع يقنع قنوعا : إذا سأل ، فهو قانع ، قال الزجاج الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع
أي : من السؤال ، ويقال : قنع قناعة : إذا رضي ، فهو قنع ، والمعتر والمعتري واحد .
قوله تعالى : " كذلك " ; أي : مثل ما وصفنا من نحرها قائمة ، " سخرناها لكم " نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون ، " لعلكم تشكرون " ; أي : لكي تشكروا .
قوله تعالى : " لن ينال الله لحومها " وقرأ عاصم الجحدري ، ، وابن يعمر ، وابن أبي عبلة ويعقوب : ( لن تنال الله لحومها ) بالتاء ، ( ولكن تناله التقوى ) بالتاء أيضا .
سبب نزولها أن المشركين كانوا إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء ينضحون بها نحو الكعبة ، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك ، فنزلت هذه الآية ، قاله عن أبو صالح . قال المفسرون : ومعنى الآية : لن ترفع إلى الله لحومها ولا دماؤها ، وإنما يرفع إليه التقوى ، وهو ما أريد به وجهه منكم . فمن قرأ : ( تناله التقوى ) بالتاء ، فإنه أنث للفظ التقوى . ومن قرأ : ( يناله ) بالياء ; فلأن التقوى والتقى واحد . والإشارة بهذه الآية إلى أنه لا يقبل اللحوم والدماء ، إذا لم تكن صادرة عن تقوى الله ، وإنما يتقبل ما يتقونه به ، وهذا تنبيه على ابن عباس . [ ص: 435 ] امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نية صحيحة
قوله تعالى : " كذلك سخرها " قد سبق تفسيره [ الحج : 37 ] . " لتكبروا الله على ما هداكم " ; أي : على ما بين لكم وأرشدكم إلى معالم دينه ومناسك حجه ، وذلك أن يقول : الله أكبر على ما هدانا ، " وبشر المحسنين " قال : يعني : الموحدين . ابن عباس