أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون . [ ص: 348 ]
قوله تعالى : " أولم ير الذين كفروا " ; أي : أولم يعلموا . وقرأ : ( ألم ير الذين كفروا ) بغير واو بين الألف واللام ، وكذلك هي في مصاحف أهل ابن كثير مكة . " أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " قال : السماوات جمع ، والأرض واحدة ، فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد ، أبو عبيدة والعرب تفعل هذا إذا أشركوا بين جمع وبين واحد ، والرتق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع ، والمذكر والمؤنث سواء ، ومعنى الرتق : الذي ليس فيه ثقب . قال : المعنى : كانتا ذواتي رتق ، فجعلهما ذوات فتق ، وإنما لم يقل : رتقين ; لأن الرتق مصدر . الزجاج
وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال :
أحدها : أن السماوات كانت رتقا لا تمطر ، وكانت الأرض رتقا لا تنبت ، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنبات ، رواه عن عبد الله بن دينار ، وبه قال ابن عباس ، عطاء ، وعكرمة في رواية ، ومجاهد في آخرين . والضحاك
والثاني : أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين ، ففتقهما الله تعالى ، رواه عن العوفي ، وبه قال ابن عباس ، الحسن ، وسعيد بن جبير . وقتادة
والثالث : أنه فتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعا ، ومن السماء ست سماوات فصارت سبعا ، رواه عن أشياخه ، السدي عن وابن أبي نجيح . مجاهد
قوله تعالى : " وجعلنا من الماء كل شيء حي " وقرأ معاذ القارئ ، ، وابن أبي عبلة وحميد بن قيس : ( كل شيء حيا ) بالنصب .
وفي هذا الماء قولان :
أحدهما : أنه الماء المعروف ، والمعنى : جعلنا الماء سببا لحياة كل حي ، قاله الأكثرون . والثاني : أنه النطفة ، قاله . [ ص: 349 ] أبو العالية
قوله تعالى : " وجعلنا في الأرض رواسي " قد فسرناه في ( النحل : 15 ) .
قوله تعالى : " وجعلنا فيها " ; أي : في الرواسي ، " فجاجا " قال : هي المسالك . قال أبو عبيدة : الفجاج جمع فج ، وهو كل منخرق بين جبلين ، ومعنى " الزجاج سبلا " : طرقا . قال : جعلنا من الجبال طرقا ; كي تهتدوا إلى مقاصدكم في الأسفار . قال المفسرون : وقوله : " ابن عباس سبلا " تفسير للفجاج وبيان أن تلك الفجاج نافذة مسلوكة ، فقد يكون الفج غير نافذ . " وجعلنا السماء سقفا " ; أي : هي للأرض كالسقف .
وفي معنى " محفوظا " قولان :
أحدهما : بالنجوم من الشياطين ، قاله عن أبو صالح . ابن عباس
والثاني : محفوظا من الوقوع إلا بإذن الله ، قاله . الزجاج
قوله تعالى : " وهم " يعني : كفار مكة ، " عن آياتها " ; أي : شمسها وقمرها ونجومها . قال : وقرأ الفراء : ( عن آيتها ) فوحده ، فجعل السماء بما فيها آية ، وكل صواب . مجاهد
قوله تعالى : " كل " يعني : الطوالع ، " في فلك " قال : الفلك : مدار النجوم الذي يضمها ، وسماه فلكا لاستدارته . ومنه قيل : فلكة المغزل ، وقد فلك ثدي المرأة . قال ابن قتيبة : وقيل : إن الفلك - كهيئة الساقية من ماء - مستديرة دون السماء وتحت الأرض ، فالأرض وسطها ، والشمس والقمر ، والنجوم ، والليل والنهار ، يجرون في الفلك ، وليس الفلك يديرها . ومعنى " يسبحون " : يجرون . قال أبو سليمان : لما كانت السباحة من أفعال الآدميين ، ذكرت بالنون ، كقوله : الفراء رأيتهم لي ساجدين [ يوسف : 40 ] ; لأن السجود من أفعال الآدميين . [ ص: 350 ]