اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى .
قوله تعالى : " اذهبا إلى فرعون " فائدة تكرار الأمر بالذهاب التوكيد . وقد فسرنا قوله : إنه طغى [ طه : 24 ] .
قوله تعالى : " فقولا له قولا لينا " وقرأ أبو عمران الجوني وعاصم الجحدري : ( لينا ) بإسكان الياء ; أي : لطيفا رفيقا .
وللمفسرين فيه خمسة أقوال :
أحدها : قولا له : قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، رواه عن خالد بن معدان ، معاذ عن والضحاك . ابن عباس
والثاني : أنه قوله : هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى [ النازعات : 18 ، 19 ] ، قاله عن أبو صالح ، وبه قال ابن عباس . [ ص: 288 ] مقاتل
والثالث : كنياه ، رواه عن عكرمة ، وبه قال ابن عباس . فأما اسمه فقد ذكرناه في ( البقرة : 49 ) ، وفي كنيته أربعة أقوال : أحدها : السدي أبو مرة ، رواه عن عكرمة . والثاني : ابن عباس أبو مصعب ، ذكره . والثالث : أبو سليمان الدمشقي أبو العباس . والرابع : أبو الوليد ، حكاهما . الثعلبي
والقول الرابع : قولا له : إن لك ربا وإن لك معادا ، وإن بين يديك جنة ونارا ، قاله . الحسن
والخامس : أن القول اللين : أن موسى أتاه فقال له : تؤمن بما جئت به وتعبد رب العالمين على أن لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت ، فإذا مت دخلت الجنة ، فأعجبه ذلك ; فلما جاء هامان أخبره بما قال موسى ، فقال : قد كنت أرى أن لك رأيا ، أنت رب أردت أن تكون مربوبا ؟ فقلبه عن رأيه ، قاله . وحكي عن السدي يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية ، فقال : إلهي هذا رفقك بمن يقول : أنا إله ، فكيف رفقك بمن يقول : أنت إله .
قوله تعالى : " لعله يتذكر أو يخشى " قال : " لعل " في اللغة : ترج وطمع ، تقول : لعلي أصير إلى خير ، فخاطب الله عز وجل العباد بما يعقلون . والمعنى عند الزجاج : اذهبا على رجائكما وطمعكما . والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون ، وقد علم أنه لا يتذكر ولا يخشى ، إلا أن الحجة إنما تجب عليه بالآية والبرهان ، وإنما تبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ، ولا تدري أيقبل منها أم لا ، وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم ، ومعنى " لعل " متصور في أنفسهم ، وعلى تصور ذلك تقوم الحجة . قال سيبويه : ومذهب ابن الأنباري في هذا : كي يتذكر . وروى الفراء عن خالد بن معدان ، قال : والله ما كان معاذ فرعون ليخرج من الدنيا حتى [ ص: 289 ] يتذكر أو يخشى لهذه الآية ، وإنه تذكر وخشي لما أدركه الغرق . وقال : والذي يحلف به كعب ، إنه لمكتوب في التوراة : فقولا له قولا لينا وسأقسي قلبه فلا يؤمن . قال المفسرون : كان كعب هارون يومئذ غائبا بمصر ، فأوحى الله تعالى إلى هارون أن يتلقى موسى ، فتلقاه على مرحلة ، فقال له موسى : إن الله تعالى أمرني أن آتي فرعون ، فسألته أن يجعلك معي ; فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا : ربنا إننا نخاف . قال : ويجوز أن يكون القائل لذلك ابن الأنباري موسى وحده ، وأخبر الله عنه بالتثنية لما ضم إليه هارون ، فإن العرب قد توقع التثنية على الواحد ، فتقول : يا زيد قوما ، يا حرسي اضربا عنقه .
قوله تعالى : " أن يفرط علينا " وقرأ ، عبد الله بن عمرو وابن السميفع ، ، وابن يعمر : ( أن يفرط ) برفع الياء وكسر الراء . وقرأ وأبو العالية عكرمة : ( أن يفرط ) بفتح الياء والراء . وقرأ وإبراهيم النخعي أبو رجاء العطاردي وابن محيصن : ( أن يفرط ) برفع الياء وفتح الراء . قال : المعنى : أن يبادر بعقوبتنا ، يقال : قد فرط منه أمر ; أي : قد بدر ، وقد أفرط في الشيء : إذا اشتط فيه ، وفرط في الشيء : إذا قصر ، ومعناه كله : التقدم في الشيء ; لأن الفرط في اللغة : المتقدم ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : " الزجاج " [ ص: 290 ] أنا فرطكم على الحوض
قوله تعالى : " أو أن يطغى " فيه قولان :
أحدهما : يستعصي ، قاله . والثاني : يجاوز الحد في الإساءة إلينا . قال مقاتل ابن زيد : نخاف أن يعجل علينا قبل أن نبلغه كلامك وأمرك .
قوله تعالى : " إنني معكما " ; أي : بالنصرة والعون ، " أسمع " أقوالكم ، " وأرى " أفعالكم . قال : أسمع جوابه لكما ، وأرى ما يفعل بكما . الكلبي
قوله تعالى : " فأرسل معنا بني إسرائيل " ; أي : خل عنهم ، " ولا تعذبهم " وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة ، " قد جئناك بآية من ربك " قال : هي العصا . قال ابن عباس : أظهر اليد في مقام والعصا في مقام . مقاتل
قوله تعالى : " والسلام على من اتبع الهدى " قال : على من آمن بالله . قال مقاتل : وليس يعني به التحية ، وإنما معناه : أن من اتبع الهدى سلم من عذاب الله وسخطه ، والدليل على أنه ليس بسلام ، أنه ليس بابتداء لقاء وخطاب . الزجاج
قوله تعالى : " على من كذب " ; أي : بما جئنا به وأعرض عنه .