واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا .
قوله تعالى: " إنه كان صادق الوعد " هذا عام فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس . وقال لم يعد ربه بوعد قط إلا وفى له به . مجاهد:
فإن قيل: كيف خص بصدق الوعد إسماعيل، وليس في الأنبياء من ليس كذلك ؟
فالجواب: أن إسماعيل عانى [ في الوفاء ] بالوعد ما لم يعانه غيره من الأنبياء، فأثنى عليه بذلك . وذكر المفسرون: أنه كان بينه وبين رجل ميعاد، فأقام ينتظره مدة فيها لهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه أقام حولا، قاله والثاني: اثنين وعشرين يوما، قاله ابن عباس . والثالث: ثلاثة أيام، قاله الرقاشي . مقاتل .
قوله تعالى: " وكان رسولا " إلى قومه، وهم جرهم . " وكان يأمر أهله " قال يعني: قومه . وقال مقاتل: أهله: جميع أمته . فأما الصلاة والزكاة فهما العبادتان المعروفتان . [ ص: 241 ] الزجاج:
قوله تعالى: " ورفعناه مكانا عليا " فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه في السماء الرابعة، روى البخاري في " الصحيحين " من حديث ومسلم مالك بن صعصعة إدريس في السماء الرابعة، وبهذا قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج: أنه رأى أبو سعيد الخدري، ومجاهد، وأبو العالية .
والثاني: أنه في السماء السادسة، رواه عن أبو صالح وبه قال ابن عباس، الضحاك .
والثالث: أنه في الجنة، قاله وهذا يرجع إلى الأول ; لأنه قد روي أن الجنة في السماء الرابعة . زيد بن أسلم،
والرابع: أنه في السماء السابعة، حكاه أبو سليمان الدمشقي .
وفي سبب صعوده إلى السماء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان يصعد له من العمل مثل ما يصعد لجميع بني آدم، فأحبه ملك الموت، فاستأذن الله في خلته، فأذن له، فهبط إليه في صورة آدمي، [ ص: 242 ] وكان يصحبه، فلما عرفه قال: إني أسألك حاجة، قال: ما هي ؟ قال: تذيقني الموت، فلعلي أعلم ما شدته، فأكون له أشد استعدادا، فأوحى الله إليه أن اقبض روحه ساعة ثم أرسله، ففعل، ثم قال: كيف رأيت ؟ قال: كان أشد مما بلغني عنه، وإني أحب أن تريني النار . قال: فحمله فأراه إياها، قال: إني أحب أن تريني الجنة، فأراه إياها، فلما دخلها طاف فيها، قال له ملك الموت: اخرج، فقال: والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يخرجني، فبعث الله ملكا فحكم بينهما، فقال: ما تقول يا ملك الموت ؟ فقص عليه ما جرى، فقال: ما تقول يا إدريس ؟ قال: إن الله تعالى قال: كل نفس ذائقة الموت [ آل عمران: 185 ] وقد ذقته، وقال: وإن منكم إلا واردها [ مريم: 71 ] وقد وردتها، وقال لأهل الجنة: وما هم منها بمخرجين [ الحجر: 48 ] ; فوالله لا أخرج حتى يكون الله يخرجني، فسمع هاتفا من فوقه يقول: بإذني دخل وبأمري فعل، فخل سبيله، هذا معنى ما رواه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم . زيد بن أسلم
فإن سأل سائل فقال: من أين لإدريس هذه الآيات وهي في كتابنا ؟ فقد ذكر عن بعض العلماء، قال: كان الله تعالى قد أعلم ابن الأنباري إدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود، وامتناع الخروج من الجنة، وغير ذلك، فقال ما قاله بعلم .
والثاني: أن ملكا من الملائكة استأذن ربه أن يهبط إلى إدريس، فأذن له، فلما عرفه إدريس قال: هل بينك وبين ملك الموت قرابة ؟ قال: ذاك أخي من الملائكة . قال: هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت ؟ قال: سأكلمه فيك [ ص: 243 ] فيرفق بك، اركب ببن جناحي، فركب إدريس فصعد به إلى السماء، فلقي ملك الموت، فقال: إن لي إليك حاجة . قال: أعلم ما حاجتك، تكلمني في إدريس، وقد محي اسمه من الصحيفة، ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين ؟ فمات إدريس بين جناحي الملك، رواه عن عكرمة وقال ابن عباس . عن أبو صالح فقبض ملك الموت روح ابن عباس: إدريس في السماء السادسة .
والثالث: أن إدريس مشى يوما في الشمس فأصابه وهجها، فقال: اللهم خفف ثقلها عمن يحملها، يعني به: الملك الموكل بالشمس، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لا يعرف، فسأل الله عز وجل عن ذلك، فقال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته . فقال: يا رب اجمع بيني وبينه واجعل بيننا خلة، فأذن له، [ فأتاه ]، فكان مما قال له إدريس: اشفع لي إلى ملك الموت ليؤخر أجلي، فقال: إن الله لا يؤخر نفسا إذا جاء أجلها، ولكن أكلمه فيك، فما كان مستطيعا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك، ثم حمله الملك على جناحه فرفعه إلى السماء، فوضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال: إن لي إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، قال: ليس ذاك إلي، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت، فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا، ولا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس، فقال: إني أتيتك وتركته هناك، قال: انطلق فما أراك تجده إلا ميتا، فوالله ما بقي من أجله شيء، فرجع الملك فرآه ميتا . وهذا المعنى مروي عن ابن عباس في آخرين، فهذا القول والذي قبله يدلان على أنه ميت، والقول الأول يدل على أنه حي . [ ص: 244 ] وكعب