قوله تعالى: " سيقولون ثلاثة " قال " الزجاج: ثلاثة " مرفوع بخبر الابتداء، المعنى: سيقول الذين تنازعوا في أمرهم: [ هم ] ثلاثة . وفي هؤلاء القائلين قولان:
أحدهما: أنهم نصارى نجران، ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدة أهل الكهف، فقالت الملكية: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وقالت اليعقوبية: هم خمسة سادسهم كلبهم، وقالت النسطورية: هم سبعة وثامنهم كلبهم، فنزلت هذه الآية، رواه عن الضحاك ابن عباس .
والثاني: أنهم أهل مدينتهم قبل ظهورهم عليهم، ذكره الماوردي .
قوله تعالى: " رجما بالغيب " ; أي: ظنا غير يقين، قال زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم وما هو عنها بالحديث المرجم
فأما دخول الواو في قوله: " وثامنهم كلبهم " ، ولم تدخل فيما قبل هذا، ففيه أربعة أقوال: [ ص: 125 ]
أحدها: أن دخولها وخروجها واحد، قاله الزجاج .
والثاني: أن ظهور الواو في الجملة الثامنة دلالة على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين، فأعلم بذكرها هاهنا أنها مرادة فيما قبل، وإنما حذفت تخفيفا، ذكره أبو نصر في " شرح اللمع " .
والثالث: أن دخولها يدل على انقطاع القصة وأن الكلام قد تم، ذكره أيضا، وهو قول الزجاج فإن الواو تدل على تمام الكلام قبلها واستئناف ما بعدها، قال مقاتل بن سليمان، فهذه واو الحكم والتحقيق، كأن الله تعالى حكى اختلافهم، فتم الكلام عند قوله: " الثعلبي: ويقولون سبعة " ، ثم حكم أن ثامنهم كلبهم . وجاء في بعض التفسير أن المسلمين قالوا عند اختلاف النصارى: هم سبعة، فحقق الله قول المسلمين .
والرابع: أن العرب تعطف بالواو على السبعة، فيقولون: ستة، سبعة، وثمانية ; لأن العقد عندهم سبعة، كقوله: التائبون العابدون . . . إلى أن قال في الصفة الثامنة: والناهون عن المنكر [ التوبة: 112 ]، وقوله في صفة الجنة: وفتحت أبوابها ، وفي صفة النار: فتحت أبوابها [ الزمر: 71 - 73 ] ; لأن أبواب النار سبعة، وأبواب الجنة ثمانية، ذكر هذا المعنى أبو إسحاق الثعلبي .
وقد اختلف العلماء في عددهم على قولين:
أحدهما: أنهم كانوا سبعة، قاله ابن عباس .
والثاني: ثمانية، قاله ابن جريج وقال وابن إسحاق . وقيل: معنى قوله: " ابن الأنباري: وثامنهم كلبهم " : صاحب كلبهم، كما يقال: السخاء حاتم، والشعر زهير ; أي: السخاء سخاء حاتم، والشعر شعر زهير . وأما أسماؤهم ; فقال هشيم: [ ص: 126 ] مكسلمينا، ويمليخا، وطرينوس، وسدينوس، وسرينوس، ونواسس، ويرانوس، وفي التفسير خلاف في أسمائهم فلم أطل به .
واختلفوا في كلبهم لمن كان على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان لراع مروا به، فتبعهم الراعي والكلب، قاله ابن عباس .
والثاني: أنه كان لهم يتصيدون عليه، قاله عبيد بن عمير .
والثالث: أنهم مروا بكلب فتبعهم فطردوه، فعاد، ففعلوا ذلك به مرارا، فقال لهم الكلب: ما تريدون مني ؟ لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباء الله، فناموا حتى أحرسكم، قاله كعب الأحبار .
وفي اسم كلبهم أربعة أقوال:
أحدها: قطمير، قاله عن أبو صالح والثاني: اسمه الرقيم، وقد ذكرناه عن ابن عباس . والثالث: قطمور، قاله سعيد بن جبير . والرابع: حمران، قاله عبد الله بن كثير . شعيب الجبائي . وفي صفته ثلاثة أقوال:
أحدها: أحمر، حكاه والثاني: أصفر، حكاه الثوري . والثالث: أحمر الرأس، أسود الظهر، أبيض البطن، أبلق الذنب، ذكره ابن إسحاق . ابن السائب .
قوله تعالى: " ربي أعلم بعدتهم " حرك الياء ابن كثير، ونافع، ، وأسكنها الباقون . وأبو عمرو
قوله تعالى: " ما يعلمهم إلا قليل " ; أي: ما يعلم عددهم إلا قليل من الناس . قال يعني بالقليل: أهل الكتاب . قال عطاء: أنا من ذلك القليل، هم سبعة، إن الله عدهم حتى انتهى إلى السبعة . ابن عباس:
قوله تعالى: " فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا " قال ابن عباس [ ص: 127 ] لا تمار أحدا، حسبك ما قصصت عليك من أمرهم . وقال وقتادة: ابن زيد: لا تمار في عدتهم إلا مراء ظاهرا أن تقول لهم: ليس كما تقولون، ليس كما تعلمون . وقيل: " إلا مراء ظاهرا " بحجة واضحة، حكاه والمراء في اللغة: الجدال، يقال: مارى يماري مماراة ومراء ; أي: جادل . قال الماوردي . معنى الآية: لا تجادل إلا جدال متيقن عالم بحقيقة الخبر ; إذ الله تعالى ألقى إليك ما لا يشوبه باطل . وتفسير المراء في اللغة: استخراج غضب المجادل، من قولهم: مريت الشاة: إذا استخرجت لبنها . ابن الأنباري:
قوله تعالى: " ولا تستفت فيهم " ; أي: في أصحاب الكهف، " منهم " قال يعني: من أهل الكتاب . قال ابن عباس: أتاه فريقان من النصارى: نسطوري ويعقوبي، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن عددهم، فنهي عن ذلك . الفراء:
قوله تعالى: " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله " سبب نزولها: أن قريشا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين، وعن الروح، وعن أصحاب الكهف، فقال: " غدا أخبركم بذلك " ، ولم يقل: إن شاء الله ; فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما لتركه الاستثناء، فشق ذلك عليه، ثم نزلت هذه الآية، قاله عن أبو صالح ومعنى الكلام: ولا تقولن لشيء: إني فاعل ذلك غدا، إلا أن تقول: إن شاء الله، فحذف القول . ابن عباس .
قوله تعالى: " واذكر ربك إذا نسيت " قال معناه: واذكر ربك بعد تقضي النسيان، كما تقول: اذكر لعبد الله - إذا صلى - حاجتك ; أي: بعد انقضاء الصلاة . ابن الأنباري:
وللمفسرين في معنى الآية ثلاثة أقوال: [ ص: 128 ]
أحدها: أن المعنى: إذا نسيت الاستثناء ثم ذكرت، فقل: إن شاء الله، ولو كان بعد يوم أو شهر أو سنة، قاله والجمهور . سعيد بن جبير
والثاني: أن معنى " إذا نسيت " : إذا غضبت، قاله قال عكرمة . وليس ببعيد ; لأن الغضب ينتج النسيان . ابن الأنباري:
والثالث: إذا نسيت الشيء فاذكر الله ليذكرك إياه، حكاه الماوردي .
فصل
وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إذا لم يفعل ما حلف عليه، كقوله في قصة موسى: ستجدني إن شاء الله صابرا [ الكهف: 70 ]، ولم يصبر، فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه . ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصح وأنه إذا الاستثناء في الطلاق والعتاق، وأنت حر إن شاء الله، أن ذلك يقع، وهو قول مالك ; وقال قال: أنت طالق إن شاء الله، أبو حنيفة والشافعي: لا يقع شيء من ذلك . وأما اليمين بالله تعالى، فإن الاستثناء فيها يصح، بخلاف الطلاق، وكذلك الاستثناء في كل ما يكفر، كالظهار والنذر ; لأن وإذا علق به المشيئة علمنا وجودها، لوجود لفظ الإيقاع من جهته، بخلاف سائر الأيمان ; لأنها ليست بموجبات للحكم، وإنما تتعلق بأفعال مستقبلة . الطلاق والعتاق لفظه لفظ إيقاع،
وقد اختلف في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام، وقد روي عن نحو هذا، وبه قال أكثر الفقهاء . [ ص: 129 ] أحمد
والثاني: أنه يصح ما دام في المجلس، قاله الحسن وعن وطاووس، نحوه . أحمد
والثالث: أنه لو استثنى بعد سنة جاز، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقال وأبو العالية . الصواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه، فيقول: إن شاء الله، ليخرج بذلك مما ألزمه الله في هذه الآية، فيسقط عنه الحرج، فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال، إلا أن يكون الاستثناء موصولا بيمينه، ومن قال: له ثنياه ولو بعد سنة، أراد سقوط الحرج الذي يلزمه بترك الاستثناء دون الكفارة . ابن جرير الطبري:
قوله تعالى: " وقل عسى أن يهديني ربي " قرأ نافع : ( يهديني ربي ) بياء في الوصل [ دون ] الوقف . وقرأ وأبو عمرو بياء في الحالين . وقرأ ابن كثير ابن عامر، وعاصم، وحمزة، بغير ياء في الحالين . والكسائي
وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد، وأدل من قصة أصحاب الكهف، ففعل الله له ذلك، وآتاه من علم غيوب المرسلين ما هو أوضح في الحجة وأقرب إلى الرشد من خبر أصحاب الكهف، هذا قول الزجاج .
والثاني: أن قريشا لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم خبر أصحاب الكهف، قال: " غدا أخبركم " ، كما شرحنا في سبب نزول الآية، فقال الله تعالى له: " وقل عسى أن يهديني ربي " ; أي: عسى أن يعرفني جواب مسائلكم قبل الوقت الذي حددته لكم، ويعجل لي من جهته الرشاد، هذا قول [ ص: 130 ] ابن الأنباري .