قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا .
قوله تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن . . . " الآية . هذه الآية نزلت على سببين: [ نزل ] أولها إلى قوله: " الحسنى " على سبب، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: بمكة، فجعل يقول في سجوده: " يا رحمن يا رحيم " ، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا، فهو الآن [ ص: 99 ] يدعو إلهين اثنين: الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة، فأنزل الله هذه الآية، قاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجد ذات ليلة ابن عباس .
والثاني: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم [ النمل: 30 ]، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن ؟ فنزلت هذه الآية، قاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتب في أول ما أوحي إليه: باسمك اللهم، حتى نزل: ميمون بن مهران .
والثالث: أن أهل الكتاب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن، وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك .
فأما قوله: " ولا تجهر بصلاتك " فنزل على سبب، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: بمكة، فيسب المشركون القرآن ومن أتى به، فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بعد ذلك حتى لم يسمع أصحابه، فأنزل الله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك " ; أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، " ولا تخافت بها " عن أصحابك فلا يسمعون ، قاله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع صوته بالقرآن ابن عباس .
والثاني: أن الأعرابي كان يجهر في التشهد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة .
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لا تفتر على الله، فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فقال [ ص: 100 ] أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة ؟ رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل .
فأما التفسير، فقوله: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " المعنى: إن شئتم فقولوا: يا ألله، وإن شئتم فقولوا: يا رحمن ; فإنهما يرجعان إلى واحد . " أيا ما تدعوا " المعنى: أي أسماء الله تدعوا، قال و " ما " قد تكون صلة، كقوله: الفراء: عما قليل ليصبحن نادمين [ المؤمنون: 40 ]، وتكون في معنى: " أي " معادة لما اختلف لفظهما .
قوله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك " فيه قولان:
أحدهما: أنها الصلاة الشرعية . ثم في المراد بالكلام ستة أقوال:
أحدها: لا تجهر بقراءتك ولا تخافت بها، فكأنه نهي عن قاله شدة الجهر بالقراءة وشدة المخافة، فعلى هذا في تسمية القراءة بالصلاة قولان ذكرهما ابن عباس . ; أحدهما: أن يكون المعنى: فلا تجهر بقراءة صلاتك . والثاني: أن القراءة بعض الصلاة، فنابت عنها، كما قيل ابن الأنباري لعيسى: كلمة الله ; لأنه بالكلمة كان .
والثاني: لا تصل مراءاة للناس، ولا تدعها مخافة الناس، قاله أيضا . ابن عباس
والثالث: لا تجهر بالتشهد في صلاتك، روي عن في رواية، وبه قال عائشة ابن سيرين .
والرابع: لا تجهر بفعل صلاتك ظاهرا، ولا تخافت بها شديد الاستتار، قاله عكرمة .
والخامس: لا تحسن علانيتها وتسئ سريرتها، قاله الحسن .
والسادس: لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بجميعها، فاجهر في صلاة الليل وخافت في صلاة النهار على ما أمرناك به، ذكره [ ص: 101 ] القاضي أبو يعلى .
والقول الثاني: أن المراد بالصلاة: الدعاء، وهو قول عائشة، وأبي هريرة، ومجاهد .
قوله تعالى: " ولا تخافت بها " المخافتة: الإخفاء، يقال: صوت خفيت . " وابتغ بين ذلك سبيلا " ; أي: اسلك بين الجهر والمخافتة طريقا . وقد روي عن أنه قال: نسخت هذه الآية بقوله: ابن عباس واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول [ الأعراف: 205 ] . وقال نسخت بقوله: ابن السائب: فاصدع بما تؤمر [ الحجر: 94 ] . وعلى التحقيق وجود النسخ هاهنا بعيد .
قوله تعالى: " ولم يكن له شريك في الملك " وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، ( في الملك ) بكسر الميم . " وطلحة بن مصرف: ولم يكن له ولي من الذل " قال لم يحالف أحدا ولم يبتغ نصر أحد، والمعنى: أنه لا يحتاج إلى موالاة أحد لذل يلحقه، فهو مستغن عن الولي والنصير . " مجاهد: وكبره تكبيرا " ; أي: عظمه تعظيما تاما .