والعامة على "تصدون " بفتح التاء من صد يصد ثلاثيا ، ويستعمل لازما ومتعديا . وقرأ : "تصدون " بضم التاء من أصد مثل أعد ، ووجهه أن يكون عدى "صد " اللازم بالهمزة ، قال الحسن : ذو الرمة
1362 - أناس أصدوا الناس بالسيف عنهم ... ... ... ...
و " عوجا " فيه وجهان ، أحدهما : أنه مفعول به ، وذلك أن يراد تبغون : تطلبون ، قال الزجاج : "تطلبون لها اعوجاجا ، تقول والطبري العرب : " [ ص: 326 ] ابغني كذا "بوصل الألف أي : اطلبه لي و " أبغني كذا "بقطع الألف أي : أعني على طلبه ، قال : " البغي يقتصر له على مفعول واحد إذا لم يكن معه اللام كقولك : بغيت المال والأجر والثواب ، وها هنا أريد : يبغون لها عوجا ، فلما سقطت اللام عمل الفعل فيما بعدها كما قالوا : "وهبتك درهما " يريدون : وهبت لك ، ومثله : "صدتك ظبيا " أي : صدت لك ، قال الشاعر : ابن الأنباري
1363 - فتولى غلامهم ثم نادى أظليما أصيدكم أم حمارا
يريد : أصيد لكم ظليما ومثله : "جنيتك كمأة وجنيتك رطبا " والأصل : جنيت لك ، فحذف ونصب " .
والثاني : أنه حال من فاعل " يبغونها "وذلك أن يراد بـ " تبغون "معنى تتعدون ، والبغي التعدي ، والمعنى : تبغون عليها أو فيها . قال : " كأنه قال : تبغونها ضالين " . الزجاج
والعوج بالكسر والعوج بالفتح - الميل ، ولكن العرب فرقوا بينهما ، فخصوا المكسور بالمعاني والمفتوح بالأعيان ، تقول : في دينه وكلامه عوج بالكسر - ، وفي الجدار عوج بالفتح - . قال : " العوج بالكسر - الميل في الدين والكلام والعمل ، وبالفتح في الحائط والجذع "وقال أبو عبيدة أبو إسحاق : " بالكسر فيما لا ترى له شخصا ، وبالفتح فيما له شخص وقال صاحب "المجمل " :
[ ص: 327 ] "بالفتح في كل منتصب كالحائط ، والعوج - يعني بالكسر - ما كان في بساط أو دين أو أرض أو معاش " فقد جعل الفرق بينهما بغير ما تقدم . وقال : "العوج : العطف عن حال الانتصاب ، يقال : عجت البعير بزمامه ، وفلان ما يعوج عن شيء يهم به أي يرجع ، والعوج - يعني بالفتح - يقال فيما يدرك بالبصر كالخشب المنتصب ونحوه ، والعوج يقال فيما يدرك بفكر وبصيرة ، كما يكون في أرض بسيطة عوج فيعرف تفاوته بالبصيرة وكالدين والمعاش " قلت : وهذا قريب من قول الراغب ابن فارس لأنه كثيرا ما يأخذ منه .
وقد سأل في سورة طه عند قوله الزمخشري لا ترى فيها عوجا ولا أمتا حاصله يرجع إلى أنه كيف قيل : عوج بالكسر - في الأعيان ، وإنما يقال في المعاني ؟ وأجاب هناك بجواب حسن سيأتي بيانه إن شاء الله ، والسؤال إنما يجيء على قول أبي عبيدة المتقدم ، وأما على قول والزجاج ابن فارس فلا يرد . والراغب
ومن مجيء العوج بمعنى الميل من حيث الجملة قوله :
1364 - تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذا حرام
وقول امرئ القيس :
1365 - عوجا على الطلل المحيل لأننا نبكي الديار كما بكى ابن حذام
[ ص: 328 ] أي : ولم تميلوا ، وميلا . وأما قولهم : "ما يعيج زيد بالدواء " أي : ما ينتفع به فمن مادة أخرى ومعنى آخر . والعاج : هذا العظم ألفه مجهولة ، لا نعلم : أمنقلبة عن واو أو ياء ، وفي الحديث : لثوبان "اشتر سوارا من عاج لفاطمة " قال أنه قال القتيبي : "العاج : الذبل " ، وقال أبو خراش الهذلي في امرأة :
1366 - فجاءت كخاصي العير لم تحل جاجة ولا عاجة منها تلوح على وشم
قال : "العاجة : الذبلة ، والجاجة : تخمين خرزة ما يساوي فلسا ، وقوله كخاصي العير : هذا مثل تقوله العرب لمن جاء مستحييا من أمر فيقال : " "جاء كخاصي العير " والعير : الحمار ، يعنون جاء مستحييا . الأصمعي
ويقال : عاج بالمكان وعوج به أي : أقام وقطن وفي حديث إسماعيل عليه السلام : "ها أنتم عائجون " أي مقيمون ، وأنشدوا لجرير :
1367 - هل أنتم عائجون بنا لغنا نرى العرصات أو أثر الخيام
كذا أنشد هذا البيت الهروي مستشهدا به على الإقامة ، وليس بظاهر ، بل المراد بعائجون في البيت مائلون وملتفتون ، وفي الحديث : " ثم عاج رأسه إليها " أي التفت إليها .
[ ص: 329 ] و "ها " في "يبغونها " عائدة على سبيل ، والسبيل يذكر ويؤنث كما تقدم ، ومن التأنيث هذه الآية ، وقوله تعالى : هذه سبيلي وقول الآخر :
1368 - فلا تبعد فكل فتى أناس سيصبح سالكا تلك السبيلا
قوله : وأنتم شهداء حال : إما من فاعل "تصدون " وإما من فاعل "تبغون " ، وإما مستأنف ، وليس بظاهر ، وتقدم أن "شهداء " جمع شهيد أو شاهد .