ولما بين أن ما حرموه ليس بحرام فتقرر ذلك تقررا نزع من النفوس ما كانت ألفته من خلافه ، ومحا من القلوب ما كانت أشربته من ضده - كان كأنه قيل : فماذا حرم الله الذي ليس التحريم إلا إليه؟ فأمره تعالى بأن يجيبهم عن ذلك ويزيدهم بأنه لم يحرم غيره ، فقال : قل إنما حرم ربي أي : المحسن إلي بجعل ديني أحسن الأديان الفواحش أي : كل فرد منها وهي ما زاد قبحه. ولما كانت الفاحشة ما يتزايد قبحه فكان ربما ظن أن الإسرار بها غير مراد بالنهي قال : ما ظهر منها بين الناس وما بطن
ولما كان هذا خاصا بما عظمت شناعته قال : والإثم أي [ ص: 391 ] مطلق الذنب الذي يوجب الجزاء ، فإن الإثم الذنب والجزاء. ولما كان البغي زائد القبح مخصوصا بأنه من أسرع الذنوب عقوبة ، خصه بالذكر فقال : والبغي وهو الاستعلاء على الغير ظلما ، ولكنه لما كان قد يطلق على مطلق الطلب - حقق معناه العرفي الشرعي فقال : بغير الحق أي : الكامل الذي ليس فيه شائبة باطل ، فمتى كان فيه شائبة باطل كان بغيا ، ولعله يخرج العلو بالحق بالانتصار من الباغي فإنه حق كامل الحقية ، وتكون تسميته بغيا على طريق المشاكلة تنفيرا - بإدخاله تحت اسم البغي - من تعاطيه وندبا إلى العفو كما تقدم مثله في لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ويمكن أن يكون تقييده تأكيدا لمنعه بأنه لا يتصور إلا موصوفا بأنه بغير الحق كما قال تخصيصا وتنصيصا تنبيها على شدة الشناعة : وأن تشركوا بالله أي : الذي اختص بصفات الكمال ما لم ينـزل به سلطانا فإنه لا يوجد ما يسميه أحد شريكا إلا وهو مما لم ينزل به الله سلطانا بل ولا حجة به في الواقع ولا برهان ، ولعله إنما قيده بذلك إرشادا إلى أن أصول الدين لا يجوز اعتمادها إلا بقاطع فكيف بأعظمها وهو التوحيد! ولذلك عقبه بقوله : وأن أي : وحرم أن تقولوا على الله أي : الذي لا أعظم منه ولا كفؤ له و ما لا تعلمون أي : ما ليس لكم به علم بخصوصه ولا هو مستند إلى علم أعم من أن يكون من الأصول أو لا .