ولما أمر الخلق بمتابعة الرسل وحذرهم من مخالفتهم ، فأبلغ في تحذيرهم بعذاب الدنيا ثم بعذاب الآخرة ، التفت إلى تذكيرهم ترغيبا في ذلك بإسباغ نعمه وتحذيرا من سلبها ؛ لأن المواجهة أردع للمخاطب ، فقال في موضع الحال من : خسروا أنفسهم ولقد مكناكم أي : خسروها والحال أنا مكناكم من إنجائها بخلق القوى والقدر وإدرار النعم ، وجعلنا مكانا يحصل التمكن فيه في الأرض أي : كلها ، ما منها من بقعة إلا وهي صالحة لانتفاعهم بها ولو بالاعتبار وجعلنا لكم أي : بما لنا من العظمة فيها معايش أي : جمع معيشة ، وهي أشياء يحصل بها العيش ، وهو تصرف أيام الحياة بما ينفع ، والياء أصلية ؛ فلذا لا تهمز ، [وكذا ما ولي ألف جمعه حرف علة أصلي وليس قبل ألفه واو كأوائل ولا ياء كخيائر جمع أول وخير فإنه لا يهمز إلا شاذا كمنائر ومصائب جمع منارة ومصيبة] .
ولما كان حاصل ما مضى أنه - سبحانه - أوجدهم وقواهم وخلق لهم [ما] يديم قواهم ، فأكلوا خيره وعبدوا غيره - أنتج قوله على وجه التأكيد : قليلا ما تشكرون أي : لمن أسبغ عليكم نعمه ظاهرة [ ص: 362 ] وباطنة بما تنجون به أنفسكم. وقال أبو حيان : إنه راجع للذين خوطبوا بـ : اتبعوا ما أنـزل إليكم وما بينهما أورد مورد الاعتبار والاتعاظ بذكر ما آل إليه أمرهم في الدنيا وما يؤول إليه في الآخرة . انتهى .