ولما استنارت الأدلة استنارة الشمس وانتصبت البراهين حتى لم يبق أصلا نوع لبس ، عم بالخبر عما تقدم مما يشاهدونه وغيره ، فقال ذاكرا الزمان بعد المكان ، وقدمه لأنه أظهر ، والمعلم الكامل هو الذي يبدأ بالأظهر فالأظهر مترقيا إلى الأخفى فالأخفى ، فتم بذلك الخبر عن الزمان والزمانيات والمكان والمكانيات : وله أي : وحده ما سكن أي : حل وتحيز وحصل في الليل والنهار أي : ما من شأنه أن يسكن فيهما وإن كان متحركا ، ولكنه عبر بذلك دون التحرك لأنها دار الموت ، ودخل في ذلك النور والظلمة اللذان أشرك بهما من أشرك .
ولما دل ما مضى على القدرة التامة ، وانقسم إلى متحرك وساكن ، [ ص: 34 ] وكانت القدرة لا تتم إلا بالعلم ، دل عليه بقوله : وهو أي : لا غيره السميع أي : البالغ السمع لكل متحرك العليم أي : العام العلم بالبصر والسمع وغيرهما بكل متحرك وبكل ساكن من أقوالكم وأفعالكم وغيرهما ، فلا تطمعوا في أن يترك شيء من مجازاتكم ، والعليم هنا أبلغ من البصير ، وذلك مثل ما تقدم في قوله : قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم وهو ترجمة قوله : يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون