ولما كان هذا عاما في كل صيد؛ بين أنه خاص بصيد البر؛ فقال: أحل لكم صيد البحر ؛ أي: اصطياده؛ أي: الذي مبناه غالبا على الحاجة؛ والمراد به جميع المياه؛ من الأنهار؛ والبرك؛ وغيرها؛ وطعامه ؛ أي: مصيده؛ طريا؛ وقديدا؛ ولو كان طافيا قذفه البحر؛ وهو الحيتان بأنواعها؛ وكل ما لا يعيش في البر؛ وما أكل مثله في البر.
ولما أحل ذلك ذكر علته؛ فقال: متاعا لكم ؛ أي: إذا كنتم مسافرين؛ أو مقيمين؛ وللسيارة ؛ أي: يتزودونه إلى حيث أرادوا من البر؛ أو البحر؛ وفي حال الابتلاء من النعمة على هذه الأمة ما يبين فضلها على من كان قبلها ممن جعل صيد البحر له محنة يوم الابتلاء؛ [ ص: 305 ] ولله الحمد؛ والظاهر أن تحليل صيد البحر الفعل؛ لأن ثم أمرين: الاصطياد؛ والأكل؛ والمراد بيان حكمهما؛ فكأنه أحل اصطياد حيوان البحر؛ وأحل طعام البحر مطلقا؛ ما اصطادوه؛ وما لم يصطادوه؛ سواء كانوا مسافرين؛ أو مقيمين؛ وذلك لأنه لما قدم تحريم اصطياد ما في البر بقوله: المراد بصيد البحر لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ؛ أتبعه بيان إحلال اصطياد مصيد البحر؛ في حال تحريم ذلك؛ ثم أتبعه بيان حرمة مصيد البر بقوله: وحرم عليكم صيد البر ؛ أي: اصطياده وأكل ما صيد منه لكم؛ وهو ما لا عيش له إلا فيه؛ وما يعيش فيه وفي البحر؛ فإن صيد للحلال حل للمحرم أكله؛ فإنه غير منسوب إليه اصطياده بالفعل؛ ولا بالقوة؛ ما دمتم حرما ؛ لأن مبنى أمره غالبا في الاصطياد والأكل؛ مما صيد على الترف والرفاهية؛ وقد تقدم أيضا حرمة اصطياد مصيد البر؛ وحرمة الأكل مما صيد منه؛ وتكرر ذلك بتكرر الإحرام في آية: غير محلي الصيد ؛ وآية: لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ؛ فلا يعارضه مفهوم "ما دمتم حرما"؛ وعبر بذلك ليكون نصا في الحرمة في كل جزء من أجزاء وقت الإحرام إلى تمام التحلل؛ والله أعلم؛ ولا يسقط الجزاء بالخطإ؛ والجهل؛ كسائر محظورات الإحرام.
ولما كان الاصطياد بحشر المصيد إلى حيث يعجز عن الخلاص [ ص: 306 ] منه؛ وكانت حالة الإحرام أشبه شيء بحالة الحشر؛ في التجرد عن المخيط؛ والإعراض عن الدنيا وتمتعاتها؛ ختم الآية بقوله - عطفا على ما تقديره: "فلا تأكلوا شيئا منه في حال إحرامكم -: واتقوا الله ؛ أي: الذي له الأمر كله في ذلك؛ وفي غيره؛ من الاصطياد؛ وغيره؛ الذي إليه تحشرون ؛ ليكون العرض عليه نصب أعينكم؛ فتكونوا مواظبين على طاعته؛ محترزين عن معصيته.