ولما كان ترك هذه الأوصاف الثلاثة: التقوى؛ وطلب الوسيلة؛ والجهاد؛ مزيلا للوصف الأول؛ وهو الإيمان؛ ناسب كل المناسبة - تحذيرا من تركها - ذكر حال الكفار؛ وأنه لا تنفعهم وسيلة في تلك الدار؛ فقال - معللا لما قبله -: إن الذين كفروا ؛ أي: بترك ما في الآية السابقة؛ ورتب الجزاء على الماضي؛ زيادة في التحذير؛ لو أن لهم ما في الأرض ؛ وأكد ما أفهمه الكلام من استغراق الظرف والمظروف؛ فقال: جميعا ؛ أي: مما كان يطلب منهم شيء يسير جدا منه؛ وهو الإذعان بتصديق الجنان؛ وإنفاق الفضل من المال؛ وزاد الأمر هولا بقوله: ومثله ؛ ولما كان لدفع الفداء جملة ما ليس له مفرقا؛ قال معه ؛ ولما كان المقصود تحقير ذلك بالنسبة إلى عظمة يوم التغابن؛ وإن كان [ ص: 133 ] عند الكفار؛ الذين جعلوا غاية أمرهم الحياة الدنيا؛ أعظم ما يكون؛ والإفهام بأن المراد بالمثل الجنس ليشمل ما عساه أن يفرض من الأمثال؛ أعاد الضمير على هذين الشيئين؛ على كثرتهما وعظمتهما؛ مفردا؛ فقال - معبرا بالمضارع؛ الدال على تجديد الرغبة في المسألة؛ على سبيل الاستمرار؛ ولأن السياق للمتصفين بالكفر؛ والمحاربة لله؛ ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ والسعي في الأرض بالفساد؛ ولذلك صرح بنفي القبول على الهيئة الآتية -: ليفتدوا به ؛ أي: يجددوا الافتداء في كل لحظة؛ أي: بما ذكر؛ من عذاب يوم القيامة ؛ ولما كان المراد تهويل الأمر برده؛ وكان ذلك يحصل بغير تعيين الراد؛ قال: ما تقبل منهم ؛ بالبناء للمفعول؛ أي: على حالة من الحالات؛ وعلى يد من كان؛ لأن المدفوع إليه ذلك تام القدرة؛ وله الغنى المطلق.
ولما كان من النفوس ما هو سافل؛ لا ينكبه الرد؛ وكان الرد لأجل إمضاء المعد من العذاب؛ قال - مصرحا بالمقصود -: ولهم ؛ أي: بعد ذلك؛ عذاب أليم ؛ أي: بالغ الإيجاع؛ بما أوجعوا أولياء الله؛ بسترهم لما أظهروا من شموس البيان؛ وانتهكوا من حرمات الملك الديان؛