ولما أمره صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصلها في هذه السورة فقال مثبتا لها في استفهام إنكاري مبالغة في إثباتها عند من ينكرها والتقرير بها مقدما المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بالمغفرة كما فعل ذلك في سورة الفتح الذي هو نتيجة الشرح، لتكون البشارة بالإكرام أولا لافتا القول إلى مظهر العظمة تعظيما للشرح. ألم نشرح أي شرحا يليق بعظمتنا [ ص: 116 ] لك أي خاصة.
ولما عين المشروح له، فكان المشروح مبهما، فزاد تشوف النفس إليه ليكون أضخم له، بينه ليكون بيانا بعد إبهام فيكون [أعظم] في التنويه به وأجل في التعريف بأمره فقال: صدرك أي نسره ونفرحه بالهجرة، فإن هذه السورة مدنية عند رضي الله عنهما، ونجله ونعظمه ونخرج منه قلبك ونشقه ونغسله ونملأه إيمانا وحكمة ورأفة وعلما ورحمة، فانفسح جدا حتى وسع مناجاة الحق ودعوة الخلق، فكان مع الحق بعظمته وارتفاعه، ومع الخلق بفيض أنواره وشعاعه، وقد كان هذا الشرح حقيقة مرارا، وكان مجازا أيضا بإحلال جميع معانيه، وكل ذلك على ما لا يدخل تحت الوصف [لا] يعبر لكم عنه بأثر من أنه شق بعظمتنا، فالعلم الذي شق به معرفة الله والدار الآخرة والدين والدنيا، والحكمة التي درت فيه هي وضع الشيء في محله، وإعطاء كل ذي حق حقه، وقرأ ابن عباس أبو جعفر المنصور بفتح حاء نشرح وخرجها ابن عطية على التأكيد بالنون الخفيفة ثم أبدل ألف من النون، ثم حذف النون تخفيفا، وقال أبو حيان بأن اللحياني حكى في نوادره عن بعض العرب النصب بلم والجزم بلن، [ ص: 117 ] وسره هنا أن الفتح في اللفظ مناسب غاية المناسبة للشرح، ووجه قراءة الجمهور أنه لما دل على الفتح بالشرح دل بالجزم على أنه مع ذلك رابط لما أودعه من الحكم ضابط له، هاد بما فيه من رزانة العلم، ووقار التقى والحلم، قال : ففرق [ما] بين النبي والولي في ذلك أن النبي شرح صدره ظاهرا فأعلى ظاهرا، والولي شرح ذلك منه باطنا فعلى به باطنا، والكافر ضيق ذلك منه وأبقى [بظلمته] وحظوظ الشيطان منه فهو لا يستطيع قبول الهداية ولا الصعود في [معارج العبرة إلا على مقدار ما يستطيع الصعود في] السماء ابن برجان كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون الآيات.