فأنت له أي دون الأعمى تصدى أي تتعرض بالإقبال عليه والاجتهاد في وعظه رجاء إسلامه وإسلام أتباعه بإسلامه وهم عتبة بن ربيعة وأبو جهل و[ أبي و- ] أمية ابنا خلف، وأشار حذف تاء التفعل في قراءة الجماعة وإدغامها في قراءة نافع [إلى - ] أن ذلك كان على وجه خفيف كما هي عادة العقلاء. وابن كثير
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما قال سبحانه إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وقال بعد إنما أنت منذر من يخشاها افتتحت هذه السورة الأخرى بمثال يكشف عن المقصود من حال أهل التذكر والخشية وجميل الاعتناء الرباني بهم و[ أنهم و - ] إن كانوا في دنياهم ذوي خمول لا يؤبه لهم فهم عنده سبحانه في عداد من اختاره لعبادته [ ص: 253 ] وأهله لطاعته وإجابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأعلى منزلته لديه ومنهم "رب أشعث أغبر لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره" مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهو - ] الذي بسببه نزلت السورة ابن أم مكتوم الأعمى ووردت بطريق العتب وصاة لنبيه صلى الله عليه وسلم وتنبيها على أن يعمل نفسه الكريمة على مصابرة [أمثال - ] وأن لا يحتقر وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولكن التحذير من هذا وإن لم يكن وقع يشعر بعظيم الاعتناء بمن حذر، ومنه قوله سبحانه ابن أم مكتوم لئن أشركت ليحبطن عملك و ولا تدع مع الله إلها آخر و ولا تمش في الأرض مرحا وهو كثير، وبسط هذا الضرب لا يلائم مقصودنا في هذا التعليق، لما دخل عليه صلى الله عليه وسلم سائلا ومسترشدا وهو صلى الله عليه وسلم يكلم رجلا من أشراف قريش وقد طمع في إسلامه ورجاء إنقاذه من النار وإنقاذ ذويه وأتباعه، فتمادى على طلبه هذا الرجل لما كان يرجوه ووكل ابن أم مكتوم إلى إيمانه [فأغفل - ] فورية مجاوبته وشق عليه إلحاحه خوفا من تفلت الآخرة ومضيه على عقبه وهلاكه [ ص: 254 ] عتب سبحانه وتعالى عليه فقال: ابن أم مكتوم عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر وهي منه سبحانه واجبة، وقد تقدم في السورة قبل قول موسى عليه الصلاة والسلام هل لك إلى أن تزكى فلم يقدر له بذلك ولا انتفع ببعد صيته في دنياه ولا أغنى عنه ما نال منها وبارت [مواد - ] تدبيره وعميت عليه الأنباء إلى أن قال ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل فأنى يزكى؟ ولو سبقت له سعادة لأبصر من حاله عين اللهو وللعب حين مقالته الشنعاء أم أنا خير من هذا الذي هو مهين
ولما سبقت الحسنى لم يضره عدم الصيت الدنياوي ولا أخل به عماه بل عظم ربه شأنه لما نزل في حقه لابن أم مكتوم وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى فيا له صيتا ما أجله بخلاف من قدم ذكره ممن طرد فلم يتزك ولم ينتفع بالذكرى حين قصد بها إنما أنت منذر من يخشاها ومن نمط ما نزل في كابن أم مكتوم، قوله تعالى: ابن أم مكتوم واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه [ وقوله: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - ] فتبارك ربنا ما أعظم لطفه بعبيده - اللهم لا تؤيسنا [ ص: 255 ] من رحمتك ولا تقنطنا من لطفك ولا تقطع بنا عنك بمنك وإحسانك - انتهى.