ولما كان غاية أمرهم أنهم يقولون: إنه متقول من عند نفسه، قلب عليهم الأمر فقال: إنما أنت أي يا أشرف المرسلين منذر أي مخوف على سبيل الحتم الذي لا بد منه مع علمك بما تخوف به العلم الذي لا مرية فيه من يخشاها أي فيه أهلية أن يخافها خوفا عظيما فيعمل لها لعلمه بإتيانها لا محالة وعلمه بموته لا محالة وعلمه بأن كل ما [ ص: 246 ] تحقق وقوعه فهو قريب، وذلك لا يناسب تعيين وقتها فإن من فيه أهلية الخشية لا يزيده إبهامها إلا خشية، وغيره لا يزيده ذلك إلا اجتراء وإجراما، فما أرسلناك إلا للإنذار بها لا للإعلام بوقتها، فإن النافع الأول دون الثاني، ولست في شيء مما يصفونك به كذبا منهم لأنا ما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ولا أنت مبعوث لتحرير وقت الساعة وعلم عينه، وإنما قصره على من يخشى لأن غيره لا ينتفع بإنذاره، فكان كأنه لم يحصل له الإنذار، ولهذا المعنى أضاف إشارة إلى أنه عريق في إنذار من يخشى، وأما غيره فهو منذر له في الجملة أي يحصل له صورة الإنذار لأنه منذره بمعنى أنه لا يحصل له معنى الإنذار.