ولما استشرفت - على قراءة الكسر - نفس السامع إلى قوله صلى الله عليه وسلم لمن تراكموا عليه من ذلك، استأنف الجواب بقوله مبينا لما يستحيل على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من دعاء غير الله ومن ترك الدعاء إليه من مخالفة شيء من أمره قال، [ ص: 492 ] أو لما تاقت نفسه صلى الله عليه وسلم على قراءة الفتح إلى ما يدفع به ما رأى منهم، قال تعالى مرشدا له إلى ذلك: قل أي لمن ازدحم عليك عادا لهم عداد الجاهلين بما تصنع لأنهم عملوا عمل الجاهل: إنما أدعو أي دعاء العبادة ربي أي الذي أوجدني ورباني ولا نعمة عندي إلا منه وحده، لا أدعو غيره حتى تعجبوا مني فتزدحموا علي والظاهر المتبادر إلى الفهم أن المعنى: وأوحي إلي [ أي -] لما قمت [ في الصلاة -] أعبد الله في بطن نخلة ورآني الجن الذين وجههم إبليس نحو تهامة [ و-] سمعوا القرآن ازدحموا علي حتى كادوا يغشونني ويكون بعضهم على بعض فسمعوا توحيدي لله وتمجيدي له وإفراده بالقدرة والعلم وجميع صفات الكمال آمنوا، وقيل: هو حكاية الجن لقومهم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه وراءه في تراصهم في صلاتهم وحفوفهم به ووعظه وتعليمه لهم، ويحكى هذا القول عن رضي الله تعالى عنهما ابن عباس فإن ذلك هيئة غريبة، يحكى أن ملك وسعيد بن جبير الفرس أرسل من دخل في المسلمين لما قصدوا بلاده فكان مما حكي له عنهم أن قال: إذا [ ص: 493 ] صلوا صفوا أنفسهم صفوفا ويقدمهم رجل يقومون بقيامة ويسجدون بسجوده ويقعدون بقعوده ويفعلون كفعله، لا تخالف بينهم، فلما سمع الملك ذلك راعه وقال: ما لي ولهؤلاء، ما لي ونقل ولعمر، أبو حيان عن أنه بلغ من تابع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن سبعين ألفا وفرغوا عند انشقاق الفجر. مكحول
ولما كان الداعي لولي نعمته يمكن أن يكون أشرك غيره في دعائه ولو بأدنى وجوه الإشراك، ويكون الحصر باعتبار الأغلب فاستحق الإنكار [ عليه -] والازدحام، نفى ذلك بقوله تأكيدا لمعنى الحصر وتحقيقا له: ولا أشرك به أي الآن ولا [ في -] مستقبل الزمان بوجه من الوجوه أحدا من ود وسواع ويغوث وغيرها من الصامت والناطق.