ولما ذكر الفائز بلزومه التقوى ترغيبا، أتبعه الخائب بسبب إفساد القوتين الحاملتين على التقوى: العلمية والعملية ترهيبا، فقال بادئا بالعلمية: والذين كفروا أي غطوا أدلة ذلك اليوم فكانوا في الظلام. ولما ذكر إفسادهم القوة العلمية، أتبعه العملية فقال: وكذبوا أي أوقعوا جميع التغطية وجميع التكذيب بآياتنا بسببها مع ما لها من العظمة بإضافتها إلينا، فلم يعملوا شيئا.
ولما بين إفسادهم للقوتين، توعدهم بالمضار فقال معريا من الفاء في جانبي الأشقياء والسعداء طرحا للأسباب، لأن نظر هذه السورة إلى الجبلات التي لا مدخل فيها لغيره أكثر بقوله: هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فإن ذلك أجدر بالخوف منه ليكون أجدر بالبعد عما يدل على الجبلة الفاسدة من الأعمال السيئة: أولئك أي البعداء البغضاء أصحاب النار ولما كان السجن إذا رجي الخلاص منه قلل من خوف داخله، وكان التعبير بالصحبة مشعرا بالدوام المقطع للقلوب لأنه مؤيس من الخلاص، أكده بقوله: خالدين فيها وزاد في [ ص: 123 ] الإرهاب منها بقوله [مشيرا] إلى مضار القلب بعد ذكر مضار القالب: وبئس المصير أي جمعت المذام [كلها] الصيرورة إليها وبقعتها التي للصيرورة إليها، فكيف بكونها على وجه الإقامة زمنا طويلا فكيف إذا كان على وجه الخلود.