ولما كرر ذكر الإذن في نكاحهن؛ وما تضمنه منطوقا مفهوما؛ وكان قد تقدم الإذن في نكاح ما طاب من النساء؛ وكان الطيب شرعا قد يحمل على الحل; مست الحاجة إلى ما يحل منهن لذلك؛ فقال: وما يحرم؛ ولا تنكحوا ؛ أي: تتزوجوا؛ وتجامعوا؛ ما نكح ؛ أي: بمجرد العقد في الحرة؛ وبالوطء في ملك اليمين؛ آباؤكم وبين "ما"؛ بقوله: من النساء ؛ أي: سواء كانت إماء؛ أو لا؛ بنكاح؛ أو ملك يمين؛ وعبر بما دون "من"؛ لما في النساء غالبا من السفه المدني لما لا يعقل.
ولما نهى عن ذلك؛ فنزعت النفوس عما كان قد ألف بهاؤه؛ [ ص: 228 ] فلاح أنه في غاية القباحة؛ وأن الميل إليه إنما هو شهوة بهيمية؛ لا شيء فيها من عقل؛ ولا مروة؛ وكانت عادتهم في مثل ذلك - مع التأسف على ارتكابه - السؤال عما مضى منه - كما وقع في استقبال بيت المقدس؛ وشرب الخمر -; أتبعه الاستثناء من لازم الحكم؛ وهو: "فإنه موجب لمقت من ارتكبه؛ وعقابه"؛ فقال: إلا ما قد سلف ؛ أي: لكم من فعل ذلك في أيام الجاهلية؛ كما قال - رحمه الله - في "الأم": "قال الشافعي السهيلي في روضه: وكان ذلك مباحا في الجاهلية لشرع متقدم؛ ولم يكن من الحرمات التي انتهكوها"؛ ثم علل النهي بقوله: إنه ؛ أي: هذا النكاح؛ كان ؛ أي: الآن؛ وما بعده؛ كونا راسخا؛ فاحشة ؛ أي: والفاحشة لا يقدم عليها تام العقل؛ ومقتا ؛ أي: أشر ما يكون بينكم؛ وبين ذوي الهمم؛ لما انتهكتم من حرمة آبائكم؛ وساء سبيلا ؛ أي: قبح طريقا طريقه.