ولما قامت الأدلة على تنزيهه سبحانه عن شائبة كل نقص، وإحاطته بكل صفة كمال، المقتضي لثبوت أن الملك له، الموجب قطعا لتفرده بعموم الإلهية، المقتضي لإرسال من يريده إلى جميع من في ملكه، وختم بالعلم بالضمائر التي أجلها الإيمان، قال آمرا بالإذعان له ولرسوله صلى الله عليه وسلم: آمنوا أي أيها الثقلان بالله أي الملك الأعظم الذي لا مثل له ورسوله الذي عظمته من عظمته. ولما كان الإيمان أساسا، والإنفاق وجها ظاهرا ورأسا، قال جامعا بين الأساس الحامل الخفي والوجه الظاهر الكامل البهي: وأنفقوا أي في إظهار دينه: ورغبهم في ذلك بطلب اليسير مما أعطاهم [الله] وزهدهم منه بقوله: مما جعلكم أي بقدرته مستخلفين أي مطلوبا موجودا خلافتكم فيه وهو له دونكم بما يرضي من استخلفكم في تمهيد سبيله فطيبوا بها نفسا لأنها ليست في الحقيقة لكم وإنما أنتم خزان، وخافوا من عزلكم من الخلافة بانتزاعها من أيديكم بتولية غيركم أمرها، إما في حياتكم، وإما [ ص: 263 ] بعد مماتكم، كما فعل بغيركم حين أوصل إليكم ما وصل من أموالهم، فليس لكم منها إلا ما أكلتم فأفنيتم أو لبستم فأبليتم أو تصدقتم فأبقيتم - وفي رواية: فأمضيتم، وليهن الإنفاق منها عليكم كما يهون على الإنسان النفقة من مال غيره إذا كان أذن له فيه.
ولما أمر بالإنفاق ووصفه بما سهله، سبب عنه ما يرغب فيه فقال مبالغا في تأكيد الوعد لما في ارتكابه من العسر بالتعبير عنه بالجملة الاسمية وبناء [الحكم] على الضمير بالوصف بالكبير وغير ذلك: فالذين آمنوا وبين أن هذا خاص بهم لضيق الحال في زمانهم فقال: منكم وأنفقوا أي من أموالهم في الوجوه التي ندب إليها على وجه الإصلاح كما دل عليه التعبير بالإنفاق لهم أجر كبير أي لا تبلغ عقولكم حقيقة كبره فاغتنموا الإنفاق في أيام استخلافكم قبل عزلكم وإتلافكم.