ولما ذكر ما هو أدل على الحب في المعبود لأنه وقت الانتشار [ ص: 439 ] إلى الأمور الضرورية التي بها القوام والرجوع لقصد الراحة الجسدية بالأكل والشرب واللعب والاجتماع بعد الانتشار والانضمام مع ما في الوقتين من الدلالة الظاهرة على طي الخلق ثم نشرهم، أتبعه ما يكون وقت السكون المراد به الراحة بلذيذ الاضطجاع والمنام فقال: ومن الليل أي: في بعض أقواته فسبحه بصلاتي المغرب والعشاء وقيام الليل؛ لأن الليل وقت الخلوات وهي ألذ المناجاة.
ولما ذكر الفرائض التي لا مندوحة عنها على وجه يشمل النوافل من الصلاة وغيرها، أتبعها النوافل المقيدة بها فقال: وأدبار السجود أي: الذي هو أكمل بابه وهو صلاة الفرض بما يصلى بعدها من الرواتب والتسبيح بالقول أيضا، قال الرازي : واعلم أن ثواب الكلمات بقدرة صدورها عن جنان المعرفة والحكمة وأن تكون عين قلبه تدور دوران لسانه ويلاحظ حقائقها ومعانيها، فالتسبيح تنزيه من كل ما يتصور في الوهم أو يرتسم في الخيال أو ينطبع في الحواس أو يدور في الهواجس، والحمد يكشف عن المنة وصنع الصنائع وأنه المتفرد بالنعم. انتهى.
ومعناه أن هذا الحمد هو الحقيقة، فإذا انطبقت في الجنان قامت باللسان، وتصورت بالأركان، وحمل على الصلاة لأنها أفضل العبادات، وهي جامعة بما فيها من الأقوال والأفعال لوجهي الذكر: التنزيه والتحميد، وهاتان الصلاتان المصدر بهما أفضل الصلوات فهما أعظم ما وقع [ ص: 440 ] التسبيح بالحمد، والمعنى -والله أعلم-: أن الاشتغال استمطار من المحمود المسبح للنصر على المكذبين، وأن ولهذا الصلاة أعظم ترياق للنصر وإزالة الهم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.