ولما أريد التعميم من غير تقييد بالخافقين أظهر ولم يضمر قوله: والله أي: الذي له الإحاطة بذلك وبغيره مما لا تعلمون بصير أي: عالم أتم العلم ظاهرا وباطنا بما تعملون من ظاهر إسلامكم وباطن إيمانكم في الماضي والحاضر والآتي سواء كان ظاهرا أو باطنا سواء كان قد حدث فصار بحيث تعلمونه أنتم أو كان مغروزا في جبلاتكم وهو خفي عنكم، هذا على قراءة الخطاب التفات إليهم لاستنقاذ من توهم منهم هذا التوهم، وهي أبلغ، وعلى قراءة بالغيب يكون على الأسلوب الأول مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبلاغه لهم، فهو سبحانه عالم بمن انطوى ضميره على الإيمان، ومن هو متكيف بالكفران، ومن يموت على ما هو عليه، ومن يتحول حاله بإبعاد عنه أو جذب إليه، قال ابن كثير القشيري رحمه الله تعالى: ومن وقف ههنا تكدر عليه العيش؛ إذ ليس يدري ما غيبه فيه، وفي المعنى قال:
[ ص: 395 ]
أبكي وهل تدرين ما يبكيني أبكي حذارا أن تفارقيني
وتقطعي حبلي وتهجرينيانتهى.
وفي ذلك أعظم زجر وترهيب لمن قدم بين [يدي] الله ورسوله ولو أن تقدمه في سره؛ فإنه لا تهديد أبلغ من إحاطة العلم، فكأنه قيل: لا تقدموا بين يديه؛ فإن الله محيط العلم فهو يعلم سركم وجهركم، فقد رجع هذا الآخر إلى الأول، والتف به التفاف الأصل بالموصل.